صالح القلاب

مشكلة غزة التي غدت دائمة ومتأصِّلة لا تكمن في أن ''عنصراً'' تجاوز حدوده فألهب الوضع الملتهب أصلاً وليس سببها أن ''مدسوساً'' لعب لعبته للإيقاع بين ''الأخوة الأعداء'' فانضم عددٌ جديد من الأبرياء، الذين لا ناقة لهم ولا جمل بهذا الصراع المخزي، إلى ضحايا البنادق المـُستأجرة التي ينطبق عليها قول الشاعر :

أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ ربداءُ تجفلُ من صفير الصافر

إن المشكلة تكمن في أن ''غفلة الشاطر''، الذي هو ياسر عرفات، رحمه الله، أوجدت حالة من توازن القوى في قطاع غزة والمعروف أنه عندما يكون هناك توازن في القوى في أي حركة تحرر وطني إقتربت من السلطة تكون هناك الكارثة المحققة والأمثلة في هذا المجال كثيرة جداً ولا حصر لها.

حاول أبو عمار مع بداية الإنتفاضة الثانية، التي أُعطيت اسماً تسويقياً هو : ''إنتفاضة الأقصى''، أن يلعب لعبة توزيع الأدوار بين حركة كانت له السيطرة الكاملة عليها هي حــركة ''فتح'' وبين حركة لا علاقة لها به ولا بسلطته الوطنية قرارها في الخارج وتمويلها في الخارج وغدت جزءاً مـن معادلة إقليمية هي المعادلة ليس هي التي هو جزءٌ منها فكانت النتيجة ان الحالة الفلسطينية، التي تشكو من ألف صداع وصداع، غدت برأسين وباتت كالعربة التي يجرها حصانان كل واحد منهما يشدُّ في اتجاه معاكس للإتجاه الذي يشد فيه الآخر.

كل التضرعات والابتهالات وكل دعوات أرامل الصراع العبثي في غزة التي رافقت اتفاقية مكة المكرمة لم تجدِ نفعاً وكان معروفاً أنها لن تجدي نفعاً وأنها لن تكون إلا بمثابة استراحة بين شوطين طالما أن أحد طرفي المعادلة الفلسطينية يرتبط بمعادلة إقليمية أكبر لا حساباتها هي حسابات الشعب الفلسطيني ولا همها هو هم هذا الشعب المعذب وكل ما تريده هو إستخدام هذه القضية كفرق حسابات بينها وبين من تصارعهم.

لم يعد الكلام المدهون بالزبدة والعسل يجدي نفعاً وهناك حقائق لابد من قولها وأهم هذه الحقائق هي حقيقة أن التيار الذي له الهيمنة الفعلية على حركة '' حماس ''، مالاً ورجالاً وسلاحاً وقراراً سياسياً، قد وقَّع على إتفاقية مكة المكرمة من قبيل '' التقيِّة '' ومن قبيل ذر الرماد في العيون وأيضاً من قبيل الانحناء أمام الموجة العابرة وأن هذا التيار غير راض لا عن إسماعيل هنية ولا عن '' رَبْعهِ '' ولا عن حكومته وأن مرجعيته لاتزال هناك عند الولي الفقيه وعند '' وكيل '' الولي الفقيه في هذه المنطقة.

لا يمكن أن تتقدم حكومة الوحدة الوطنية التي زادت إستقالة وزير خارجيتها مآسيها مأساة جديدة خطوة واحدة الى الأمام مادام ان إسماعيل هنية غير قادر على ان يكون أكثر من مجرد '' عريف صفٍّ '' لدى معلم لديه كل الإمكانيات وقادر على قلب الأمور في غزة في الساعة التي يريدها ولذلك وبالتالي فإنه لا يمكن فك الحصار المضروب والمفروض على الشعب الفلسطيني منذ فوز حركة '' حماس '' في الإنتخابات التشريعية الأخيرة ولا يمكن تغيير الحالة المزرية القائمة مادام ان الرئيس محمود عباس ( أبو مازن ) غير قادر على فرض سلطته على الجميع وغير قادر على فرض الأمن على شارع من شوارع غزة.

هناك دعوات لحل السلطة الوطنية إنطلقت مؤخراً من أوساط فاعلة ومؤثرة في حــركة '' حماس '' ومن بعض أبناء عمومة حركة '' حماس '' في الخارج وهذا يدل على أن مراكز قوى هذه الحركة في الداخل والخارج تسعى لإلغاء الحالة الفلسطينية القائمة كلها، السلطة ومنظمة التحرير وأيضاً حركة '' فتح ''، وإعادة تركيب الوضع الفلسطيني على نحو يجعلها المستفردة بكل شيىء ويجعل رئيسها المتحمس لـ '' فسطاط الممانعة ''، أكثر حتى من أصحابه، الولي الفقيه الذي له الأمر وعلى الفلسطينيين الطاعة.