أبو خلدون
في يوليو/تموز عام ،2003 عندما كانت القوات الأمريكية تحاول إحكام سيطرتها على العاصمة العراقية بغداد، اتصل الصحافي الأمريكي بوب وودوارد بمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينيت، وطلب موعداً معه، فقال له تينيت: ldquo;إنني مشغول حالياً، ولكنني أعدك بدعوتك إلى العشاء حالما تستقر الأمور في العراقrdquo; فضحك بوب وودوارد وقال له: ldquo;لا أظن أنك توجه لي دعوة إلى العشاء بعد ثلاثين سنةrdquo;.
وعلى الجانب الآخر، كان بول بريمر، الحاكم العسكري للعراق، يستقبل في مكتبه في أحد القصور الجمهورية في بغداد مستشاره للشؤون الدفاعية ضابط المارينز جاري أندرسون. وكان جاري قد نشر مقالاً في صحيفة الواشنطن بوست قال فيه إن القوات الأمريكية ستواجه حرباً فدائية شرسة في العراق، فأشار بريمر إلى المقال ساخراً وقال لمساعده: ldquo;بضعة أيام فقط، وتستقر الأوضاع على الصورة التي نريدهاrdquo;، وحاول جاري إلقاء آخر سهم في جعبته لتبصير بريمر بما ينتظره، فقال له: ldquo;سيدي، لقد أعددت رسالة حول المخططات التي اتبعناها في فييتنام لتسليح سكان القرى وتجنيدهم لمواجهة رجال الفيتكونجrdquo; فقاطعه بريمر قائلاً: ldquo;فييتنام؟ لا أريد أن أسمع شيئاً عن فييتنام، فنحن الآن في العراق، لا في فييتنامrdquo;، وأنهى اللقاء.
ويقول ثوماس ريكس، محرر الشؤون الدفاعية في الواشنطن بوست، في كتاب صدر له مؤخراً بعنوان ldquo;فياسكوrdquo; أو ldquo;الإخفاقrdquo; إن قصر النظر، وعمى القلب والبصيرة اللذين تميز بهما المسؤولون في البييت الأبيض والبنتاجون هما اللذان جرا أمريكا إلى الكوارث التي تعاني منها حالياً في العراق. فقد تجاهل هؤلاء الحقائق على الأرض كلياً، وكان الشغل الشاغر للجنرال كولين باول عندما كان قائداً للقوات الأمريكية هو، ألا يواجه، في أية حرب مقبلة، ما حدث في فييتنام، ولذلك نظم الجيش على أساس حشد قوة هائلة مجهزة بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا في أية معركة يخوضها، فكانت النتيجة أن اعتمد الجيش على الأسلحة والتكنولوجيا ونسي كل ما تعلمه في فييتنام.
والمقاومة حتمية، وكل دولة تتعرض للاحتلال تلجأ إليها، والمقاومة هي التي طردت الفرنسيين من الجزائر وسوريا، وهي التي طردت البريطانيين من مصر والعراق، ولكن ثوماس ريكس يضيف في كتابه عنصرا آخر عمل إلى جانب المقاومة هو أن القوات الأمريكية فعلت في العراق ما نصحت الرئيس الروسي الأسبق يلتسين بعدم فعله في روسيا، بعد زوال الحكم الشيوعي عنها، فقد أرسل يلتسين رسالة إلى الرئيس بوش الأب يقول فيها إنه يرغب في تصفية الحزب الشيوعي من دوائر الدولة، فعارض بوش ذلك بعنف، ومع ذلك فإنها فعلت في العراق ما نصحت بعدم فعله في روسيا واتخذت قراراً بتصفية البعثيين من الحكم.
وطوال السنوات الأربع الماضية كانت الولايات المتحدة تدفن رأسها في الرمال وتتظاهر أن المقاومة العراقية غير موجودة، وأنها تنحصر في مجموعة من المتسللين الذين يفدون عبر الحدود من الخارج، ويذكر ثوماس ريكس في كتابه أن بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع رامسفيلد، زار بغداد في منتصف صيف ،2003 وظهر برفقة الجنرال جون أبي زيد في حفل عشاء أقيم في فندق الرشيد في بغداد، وفي الحفل، كان وولفويتز بادي الارتياح وقال: ldquo;إننا نحرز تقدماً ملموساً في الحربrdquo; في الوقت الذي كانت المقاومة تحصد فيه ما يزيد على 100 جندي أمريكي شهرياً، وأضعاف أضعاف هذا العدد من المدنيين العراقيين المتعاونين مع السلطات المحتلة.والتجاوزات التي حدثت في سجن أبو غريب وصلت إلى علم المسؤولين في واشنطن منذ بدايتها ولم يحرك أحد منهم ساكناً، ويقول مؤلف الكتاب إن هذه التجاوزات لم تكن فردية، وإنما ldquo;نتيجة منطقية لسلوك جيش ثقافته امتهان مؤسسات الدول الأخرىrdquo; وفي عام 1988 نشر ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، كتاباً بعنوان ldquo;قصر أحلام العربrdquo; أوضح فيه تصوره للشرق الأوسط الجديد، ولكن الأيام أثبتت أن بوش ومساعديه وكل المسؤولين في إدارته هم الذين يعيشون في قصر من الأحلام.
التعليقات