جمال أحمد خاشقجي
ما بين المملكة والولايات المتحدة قصة نجاح يجب أن تستمر، وقصة فشل يجب أن تعالج لتشارك أختها السابقة في النجاح حتى يمكن أن توصف العلاقة بين البلدين الكبيرين بالمثالية.
قصة النجاح الأولى هي في العلاقات الثنائية بين البلدين، وصورها جلية في الاستثمار والتدريب والابتعاث والتعاون التقني والعسكري.
ولكن في سنوات ما بعد 11 سبتمبر شاب هذه العلاقات تكدر، فالاستثمار الأمريكي في المملكة تراجع أمام الاستثمارات الأوروبية والصينية الهائلة في مشاريع عملاقة، بل إن دولا ككوريا وماليزيا باتت تنافس الولايات المتحدة صاحبة الاقتصاد العالمي الأول، آخرها الاستثمار الضخمquot; بترو رابغ quot; الذي شغلنا جميعاً نحن السعوديين اكتتاباً وهو استثمار ملياري مع اليابان.
سبب التراجع الأمريكي ليس اقتصادياً، ولا لوجود عوائق أو لقلة جاذبية في السوق السعودي، وإنما هو يا للحقيقة المؤلمة quot; انتصار للقاعدة quot; يجب أن نعترف به وبالتالي نعالجه معاً والفرص مواتية مجدداً في زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش اليوم.
الأجواء السلبية صنعتها القاعدة وزعيمها عندما اختار قصداً إرهابيين سعوديين لقتل أنفسهم وقتل أكبر عدد من الأمريكيين معهم في ذلك اليوم الكئيب 11 سبتمبر، فوقع في فخها الإعلام الأمريكي ومعه سياسيون شنوا معا حملة ضد المملكة كلها، وخلقوا أجواء كراهية وتخويف ضدها، فتراجعت الاستثمارات بين البلدين بما فيها الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة.
فالسعودي تاجر فطن لا يحب المخاطرة عندما يرى محامين أمريكيين يرفعون القضية تلو الأخرى ليس ضد أسامة بن لادن الذي لا يستطيعون الوصول إليه وإنما ضد كل المملكة بحثاً وتصيداً، فأحجم السعودي عن الاستثمار في بلد قد يلاحقه ويلاحق أمواله بحكم قضائي غير مبرر.
هذه مسألة يجب أن تكون على طاولة البحث خلال زيارة بوش الحالية، فالنجاح السابق والذي استفاد منه البلدان لا يجوز أن نتنازل عنه فتنتصر القاعدة وهي أقلية الأقلية فارضة على الشعبين الصديقين حالة لا يريدانها ويرفضانها.
أما ما يخص الابتعاث والتدريب والمساهمة في التنمية في المملكة بنقل الخبرات والتقنية، فهو الآخر شابه كدر بعد 11 سبتمبر وتم علاج معظمها، فالمبتعثون السعوديون إلى الجامعات الأمريكية تضاعف عددهم خلال سنوات قليلة وتدنت نسب المضايقات التي يتعرضون لها بشكل كبير، من قبل المباحث الفدرالية وإدارة الهجرة، فأقل من 100 طالب فقط من بين أكثر من 12 ألف طالب سعودي في الولايات المتحدة الأمريكية، متورطون اليوم في مشاكل قانونية حادة بسبب أخطاء وشبهات وقعوا فيها، وهي نسبة لا تثير قلقا ولا تبرر التوتر الذي يصنعه البعض لتكدير نمو العلاقات وعودتها إلى طبيعتها، دون إغفال حق المملكة في المطالبة بمحاكمة عادلة لكل سعودي منهم، وفيما يخص التأشيرات حصل تقدم في المفاوضات بين البلدين بتسهيل منحها، وإطالة مدتها لتشمل فترة الابتعاث ولعل نتائج ذلك تظهر خلال الزيارة الحالية.
لقد أدى برنامج خادم الحرمين لابتعاث الطلبة السعوديين إلى تعميق العلاقات بين الشعبين، فيندر أن تجد بيتاً سعودياً ولا تجد ابناً أو ابنة أو ابن عم أو خال مبتعثا في جامعة أمريكية، وكلما عاد لزيارة أهله ينقل لهم في الغالب صورة إيجابية عن الشعب الأمريكي وحسن استقباله، تتعارض مع الانطباع الذي ساد بعد 11 سبتمبر.
الجميل أيضاً أن الجامعات والأكاديميين الأمريكيين انتقلوا إلى المملكة نفسها، فهناك تعاون واسع بين جامعات أهلية محلية كجامعة الفيصل وكلية اليمامة ودار الحكمة وغيرها مع عدد من الجامعات والشركات الأمريكية الكبرى.
كل ما سبق أخبار جيدة، واستثمار استفدنا منه تراه في مدننا ومؤسساتنا التي استفادت من التعاون السعودي الأمريكي وكوادرنا الوطنية والنخب القيادية التي صنعت النهضة في البلاد وتعلمت في الولايات المتحدة.
ولكن هناك قصة فشل في العلاقات السعودية الأمريكية هي المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط، وتحديداً فلسطين وتبعها العراق اليوم، وكسعودي ألقي معظم اللوم على الجانب الأمريكي، وهو ما يستحق مقالا آخر غدا.
التعليقات