عبدالله الكعبي

هل بالفعل تعاطا المجلس النيابي‮ ‬مع الأربعين مليون المخصصة لمكافحة الغلاء بشكل صحيح أم اعتبرها مجرد ورقة جديدة‮ ‬يمكن أن تضاف لملف الأوراق المليء بمثلها؟ لا أعلم ما هي‮ ‬الآلية التي‮ ‬دائماً‮ ‬ما تحول أي‮ ‬جهد أو بادرة إلى مجرد فكرة عابرة ليس باستطاعتها تقديم الحلول وعلاج المشاكل‮! ‬فما توصل إليه النواب من حلول لصرف ذلك المبلغ‮ ‬كإعانة للمواطنين لمواجهة الغلاء لا‮ ‬يختلف كثيراً‮ ‬عن سابقاتها من الحلول العقيمة التي‮ ‬فرضت بالقوة على المواطن بالرغم من رفض المنطق لها‮. ‬فخمسين دينار لكل أسرة هو عائق جديد‮ ‬يضاف لبقية العوائق التي‮ ‬تعمل دائماً‮ ‬على إفراغ‮ ‬أي‮ ‬مبادرة أو مكرمة من مضمونها وتحويلها لمسار آخر‮ ‬غير المسارات التي‮ ‬جاءت من أجل حلها والتعاطي‮ ‬معها‮.‬
فقبل ذلك كانت هناك مبادرات من مثل علاوة بدل السكن ومشروع التعطل والبيوت الآيلة للسقوط،‮ ‬وكانت كلها في‮ ‬شكلها الظاهري‮ ‬مشاريع حقيقية للقضاء على أزمات داخلية مستأصلة،‮ ‬ولكن آلياتها لم تكن كذلك حينما حولت الجهات القائمة عليها كل تلك الأحلام إلى مجرد أوهام‮ ‬غير قابلة للتحقيق من خلال شروط تعجيزية أسهمت بشكل كبير في‮ ‬التمييز بين الناس وخلق أجواء‮ ‬غير صحية حرمت الكثير من المواطنين من حقوق طبيعية كان من المفترض أن‮ ‬ينالوها وفق تلك المشاريع‮.‬
فالخمسين دينار المقترحة أو التي‮ ‬اتخذت شكلها النهائي‮ ‬كصورة من صورة توزيع المبلغ‮ ‬المرصود لمواجهة الغلاء ولمدة‮ ‬12‮ ‬شهراً‮ ‬هو قرار لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يصدر عن مجلس نيابي‮ ‬يحاول أن‮ ‬يتلمس مشاكل وهموم الناس وله دراية كافية بما آلت إليه المشاريع المماثلة الأخرى‮. ‬فكيف سيتم تحديد الأسرة البحرينية التي‮ ‬ستحصل على هذا المبلغ؟ هل‮ ‬يقصد بالأسرة هنا كل من‮ ‬يعيلهم الموظف المتزوج والأرملة والمطلقة أم أن تحديد الأسر سيعتمد على العناوين التي‮ ‬يمكن أن تضم بين ثناياها أكثر من أسرة تسكن في‮ ‬بيت واحد فيما‮ ‬يسمى بالأسرة الممتدة؟ كما أن تحديد‮ ‬12‮ ‬شهراً‮ ‬لصرف المعونة هو شكل آخر من أشكال الحلول المؤقتة التي‮ ‬لا تعالج الواقع بقدر ما تعمل على تأزيمه‮. ‬فمن جهة من الصعب سحب هذا المبلغ‮ ‬من الأسرة بعد أن أقلمت ظروفها عليه خلال هذا العام،‮ ‬ومن جهة أخرى سيدخل النواب في‮ ‬حال عدم توفر مبلغ‮ ‬مماثل أنفسهم في‮ ‬مواجهة مباشرة مع المواطنين الذين لن‮ ‬يكون بوسعهم مواجهة موجة الغلاء التي‮ ‬ستكون أعتا وأشد مما هي‮ ‬عليه الآن‮.‬
هل‮ ‬يضمن لنا النواب بعد عام أن تنخفض الأسعار وتعود الأمور إلى طبيعتها؟ لا اعتقد ذلك خصوصاً‮ ‬وأننا لم نسمع قبل ذلك عن تراجع الغلاء ولكن من الممكن السيطرة عليه عند المعدلات التي‮ ‬توقف عندها خصوصاً‮ ‬في‮ ‬ظل تسارع الخطى الداخلية نحو إصلاح سوق العمل واستبدال التأميم بالخصخصة وغيرها من الإجراءات الاقتصادية التي‮ ‬لا أرى أن أي‮ ‬منها‮ ‬يصب في‮ ‬صالح الوطن ولا المواطن‮.‬
أنصح نوابنا الأفاضل بعدم تكرار أخطاء الماضي‮ ‬والسعي‮ ‬لإنجاح مسعاهم وعدم إفشاله بأيديهم‮. ‬كما أنصحهم بمتابعة المستجدات على الساحة الأمريكية وخصوصاً‮ ‬ما‮ ‬يتعلق منها بسباق الرئاسة نحو البيت الأبيض الذي‮ ‬يركز فيه المرشحون على الجانب الاقتصادي‮ ‬لضمان أصوات الناخبين ولكن ليس بشكل مؤقت كما هو حالنا وإنما بشكل دائم من خلال حلول جذرية لمشاكلهم الاقتصادية حينما أجمعوا مؤخراً‮ ‬على عدم رضاهم على العلاجات المؤقتة المطروحة التي‮ ‬قد تنقذ كثير من المؤسسات المالية والبنوك التي‮ ‬تشكل عصب الاقتصاد الأمريكي‮ ‬من الانهيار ولكنها قد تدمر الاقتصاد برمته بعد حين من خلال بيع أسهم تلك الشركات لمساهمين أجانب وخصوصاً‮ ‬القادمين منهم من الشرق الأوسط والصين والذين ستكون لهم الكلمة الأخيرة في‮ ‬تحديد شكل الاقتصاد الأمريكي‮ ‬والتحكم في‮ ‬رفاهية ذلك الشعب من خلال تغليب مصالح المستثمرين على مصالح تلك الدولة العظمى وحاجاتها‮.‬