سركيس نعوم

لا بد ان يمر وقت طويل قبل معرفة المواقف الحقيقية من quot;المرشح التوافقيquot; لرئاسة الجمهورية قائد الجيش العماد ميشال سليمان، سواء لفريق 8 آذار الذي عرض اسمه مرشحاً اثناء مناقشة لائحة الاسماء التي وضعها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، او لفريق 14 آذار الذي عاد فرشحه رسمياً بعد ذلك بمدة قصيرة بموافقة تامة من الفريق المعارض. ذلك ان المواطنين العاديين غير المطلعين على اسرار الجهات العليا في الداخل لاسباب متنوعة، ونحن منهم، لا يعرفون حتى الآن اذا كان فريق 8 آذار صادقاً في عرض اسم سليمان مرشحاً في المشاورات المشار اليها، او اذا كان هدفه من ذلك رمي مسؤولية التعطيل على فريق 14 آذار في حال رفضه هذا الترشيح لاسباب مبدئية تتعلق بعدم الحماسة لتجربة عسكري آخر في رئاسة الدولة وباعتبار ان معظم هذا النوع من التجارب كان فاشلاً في الماضي، او يرفض تعديل الدستور الذي من دونه لا امكان لوصول قائد الجيش الى قصر بعبدا في صورة quot;سلميةquot; طبعاً. ولا يعرف اللبنانيون ايضاً، ونحن منهم، اذا كان فريق 14 آذار صادقاً في ترشيحه العماد سليمان على نحو رسمي قبل اسابيع، او اذا كان هدفه من ذلك quot;تنقيزquot; فريق 8 آذار من سليمان ودفعه مع رعاته الاقليميين المعروفين بشكوكهم الدائمة الى الشك في احتمال حصول صفقة ما او تفاهم بين سليمان وفريق الغالبية يمكن ان يؤثّر على الوضع الداخلي وميزان القوى فيه ومن خلالهما على الوضع الاقليمي. لكن ما يعرفه اللبنانيون اياهم كلهم، ونحن منهم ان الثقة quot;المفرطةquot; التي كانت لفريق 8 آذار بالمرشح سليمان او التي كان يتعمد اظهارها لاعتبارات تكتيكية، قد بدأت تتبدد مع استمرار الاشادة به وبمؤسسته العسكرية وبتاريخ التعاون المشترك معها في الداخل وفي مقاومة اسرائيل. وما يعرفونه ايضاً ان اسباب ذلك كثيرة بدأت يوم اتخذ قائد الجيش موقفاً محايداً بل وطنياً منذ استشهاد الرئيس الحريري عام 2005 ويوم خاض معركة مخيم نهر البارد الى النهاية واضعاً كل المتحفظين عنها، من داخل ومن خارج، امام خيار وحيد هو دعمه فيها بعدما هدد تفاقمها بخطر كبير عليهم كلهم. وازدادت الشكوك يوم رفض المرشح سليمان اثناء البحث في المبادرة العربية الاخيرة تقديم التزامات معينة او ضمانات الى فريق 8 آذار او الى الفريق الآخر في مقابل قبولهم ان تكون حصته الحكومية مرجّحة، وكذلك في افقاد الاقلية الثلث المعطل والاكثرية الغالبية العادية. وما يعرفونه ثالثاً هو انه في ظل التعطيل المنهجي للمبادرة العربية بدأت وسائل الاعلام السورية ووسائل الاعلام التابعة لفريق 8 آذار ولراعيه الاقليمي الاشارة علنا الى احتمال تراجع الحظوظ الرئاسية لقائد الجيش. كما خاض هذا المجال سياسيون معارضون كثيرون، ولكن مع حرص على ابقاء quot;شعرة معاويةquot; تلافياً لأن يُتهموا بضرب المرشح التوافقي والسعي الى الفراغ الرئاسي، او ربما اعتقادا منهم ان من شأن ذلك مساعدتهم على تليين ارادة المرشح سليمان وتالياً الحصول منه على تنازلات في حال صارت الرئاسة عنده quot;شهوةquot; عارمة، علماً انها لم تكن كذلك في السابق. وما يعرفه رابعاً واخيراً اللبنانيون هو ان حوادث الاحد الدامي الاسود الماضي اعطت فريق 8 آذار وسائل الضغط التي يستطيع بواسطتها ان يسعى الى الحصول من قائد الجيش المرشح للرئاسة الاولى على كل الضمانات التي يريد وان يكن بعضها مخلاً بالتوازنات وربما بمصلحة الوطن عموما. فذلك الاحد شهد صدامات واعمال شغب في منطقة حساسة في الضاحية الجنوبية للعاصمة لها رمزية سلبية في ذاكرة اللبنانيين وكان الجيش طرفاً فيها في شكل او في آخر، باعتبار انه موجود هناك وان دوره المحافظة على الامن والسلم الاهلي، كما كان طرفاً فيها quot;حزب اللهquot; وحركة quot;املquot;، وإن على نحو غير مباشر، من خلال مناصريهما في المنطقة.
قد يقول البعض لماذا التركيز على فريق 8 آذار وعدم تناول مواقف 14 آذار من المرشح سليمان، ومن الحوادث الاخيرة؟
الجواب بسيط. 14 آذار كان في موقع الفعل بالنسبة الى هذا الموضوع، و8 آذار كان في موقع رد الفعل اذا جاز التعبير على هذا النحو. وكان في موقع الارتياح لانه قدم quot;تنازلاquot; كبيرا قبل مرشح المعارضة. وكان ينتظر الموقف النهائي لـ8 آذار كي يقرر في ضوئه متابعة معركته السياسية والاعلامية ضده ام لا. اما بعد الاحد الماضي الدامي والاسود فإن الارتياح غاب عن فريق 14 آذار، كما كان غائباً عن فريق 8 آذار. فالاثنان، بعد تبادلهما الاتهامات بالمسؤولية عن الذي جرى فيه وبعد انطلاق الغضب الشعبي عند كل فريق على الفريق الآخر، وبعد محاولة 8 آذار تصويب الاتهام الى 14 آذار وعلى الجيش على نحو غير مباشر واحياناً مباشر، صارا متساويين من حيث الارتباك والاحراج. الا ان الاحراج الاخير هو الذي اصاب المرشح قائد الجيش العماد سليمان لان الفريقين طلبا منه تحقيقاً ومن القضاء ايضا شرطه السرعة، ولان 8 آذار اراد من طلبه او quot;تمنىquot; ان تكون النتيجة اتهام 14 آذار او أحد اطرافه بالمسؤولية عن quot;المجزرةquot; التي حصلت، ولأن 14 آذار اراد من طلبه الحصول على براءة ذمة من كل ذلك. ومعروف، وإن لم يقل احد من الفريقين ذلك علناً ان انتهاء التحقيق العسكري، ولا نتحدث هنا عن القضائي، الى تبرئة اطراف في 14 آذار او الى تجريم عناصر منتمين الى 8 آذار او عناصر يعملون مع الراعي الاقليمي له، سيضاعف من شكوك 8 آذار في سليمان quot;الرئيس العتيدquot; وربما يقلص حظوظه الرئاسية لابتعاده عن quot;التوافقيةquot; التي كانت صفته المزكّية لترشيحه. ومعروف ايضاً ان تجريم اطراف في 14 آذار سيُفقد المرشح سليمان تأييد هذا الفريق لرئاسته. ومعروف اخيراً ان تجريم عناصر من الجيش لا بد ان ينعكس سلباً على دوره وفاعليته، وخصوصاً اذا كان التجريم سياسياً. كما ان تبرئة عناصر منه لا بد ان تنعكس سلباً على دوره وخصوصاً اذا كانت سياسية. في اختصار صار الجيش وقيادته في مأزق كبير. وبذلك لم تعد اي مؤسسة خارج المأزق الكبير.
كيف يمكن الخروج من ذلك بأقل اضرار ممكنة على نحو يسمح بعودة الحياة الى الدولة المشلولة مؤسساتها؟
هناك طريقتان. واحدة ان يقول قائد الجيش انه لم يعد معنياً برئاسة الجمهورية وبأن هدفه الاساسي حماية المؤسسة العسكرية كونها الوحيدة القادرة على حماية البلاد بتوازن قراراتها ومواقفها وتصرفاتها وبوطنيته في ذلك. وهذه مهمة لن يعود في امكانه ممارستها في حال استعمل فريقا 8 آذار و14 آذار ترشيحه لفرض امور عليه لا تؤمن مصلحة لبنان وتقضي على الصدقية التي تمتع بها دائماً، ولاسيما منذ 14 شباط 2005. اما الطريقة الاخرى فهي ان يذهب في التحقيق العسكري في حوادث الاحد الاسود والدامي الى الآخر بحيث يسمي كل جهة او شخص متورط فيها غير عابىء لا بمصلحة سياسية خاصة او عامة، ولا بتهديدات من هنا او هناك، ولا حتى بمضاعفات سياسية او شارعية او وطنية. ذلك ان ما يجري حالياً يوحي انه قد يكون مطلوباً استعمال الجيش لاطلاق الفتنة او الفوضى في البلاد التي تريح لا شعوبه، بل الخارج المتنوع والمتناقض الذي لا يعيش إلا على دماء اللبنانيين واشلائهم. طبعاً قد يرجىء موقفه الوطني هذا ما يُخطط له من عنف دام ولا يلغيه. لكن الارجاء يبقى مفيدا اذ لعلّ الله يلقي في قلوب القادة والزعماء وعقولهم شيئاً من النور والوعي والحكمة فلا يدمّرون وطنهم بأيديهم.