rlm; حسن أبوطالب

حين قررت مصر فتح حدودها مع قطاع غزة المحتل لعدة أيام لعبور الفلسطينيين وتمكينهم من شراء احتياجاتهم الضروريةrlm;,rlm; كان مفهوما منذ اللحظة الأولي أن هذا الأمر مؤقت بطبيعته وان الحدود سوف يعاد تنظيمها وفقا للأصول الدولية المعمول بها ووفقا للاتفاقيات التي تحكم حركة المعابر الفلسطينية الموقعة في نوفمبرrlm;2005,rlm; وكان مفهوما أيضا أن حق مصر في حماية حدودها وضبط حركة العابرين منها ذهابا وإيابا غير قابل للنقاش مثلها في ذلك مثل كافة دول العالم التي تعتبر أمن الحدود عنصرا رئيسيا في حماية الأمن الوطنيrlm;,rlm; لا يجوز التنازل عنه أو العبث به كما لا يجوز أن تكون الحدود نفسها معرضة لأي نوع من المزايدات السياسية أيا كان مصدرهاrlm;,rlm; أو أن تتحول الحدود إلي مجرد خط وهمي يعبره العابرون دون معرفة بهم او ما هي وجهتهمrlm;.rlm;

ولعل بعض التصرفات التي جرت من قبيل التعامل بعملة أمريكية مزورة أو مرور أشخاص حاملين أسلحة ومتفجرات او التغلغل في أعماق البلاد دون أية وثيقة أو هوية محددةrlm;,rlm; يكشف عن أن القاعدة الأصل في ضبط حركة العابرين لها وجاهتها وحجيتها من النواحي القانونية والأمنية والاقتصاديةrlm;,rlm; ولا يحق لأحد أن يتنازل عنها لما لذلك من نتائج غير محسوبةrlm;.rlm;

ولهذا فإن الدعوة إلي تحويل ما هو استثنائي بطبيعته ـ أي فتح الحدود بلا ضابط أو رابطrlm;,rlm; إلي أن يكون أمرا روتينيا معترفا به لا تعد دعوة ذات قيمة وفي أفضل الأحوال يمكن اعتبارها دعوة وليدة الانفعال الزائد بمجريات اللحظة ونوع من الأوهام السياسيةrlm;,rlm; ولكنها لا تصلح كأساس لتنظيم العلاقة بين كيانين لكل منهما شخصيته القانونية والاعتبارية والسياديةrlm;.rlm; ولكل منهما حساباته الاستراتيجية التي تتباين مع حسابات الطرف الآخرrlm;.rlm; فمن جانب هناك دولة كبيرة لها التزاماتها تجاه شعبها وتجاه القضايا القومية ومن جانب آخر هناك كيان تحت الاحتلال وجزء من ارض أوسع تبحث عن وحدتها وسيادتها وسط ركام من الصعب والمشكلاتrlm;.rlm; فضلا عن طبيعة اللحظة غير الطبيعية سياسيا والتي يعيشها القطاعrlm;.rlm;

والخلاصة نفسها تنطبق علي تلك الدعوة التي أطلقها أحمد يوسف مستشار رئيس حكومة حماس المقالة إسماعيل هنية والتي مفادها فصل قطاع غزة من الناحية الاقتصادية مع إسرائيل وبالمقابل ربط مصير القطاع اقتصاديا مع مصر علي أن يكون هناك ترتيب خاص للحدود المصرية مع القطاع بعيدا عن الاتفاقيات الموقعة سابقاrlm;.rlm;

ويبدو من ظاهر هذه الدعوة أن هدفها الرئيسي هو إبعاد القطاع عن السطوة الإسرائيلية علي مجريات الحياة اليوميةrlm;,rlm; وتقليل اعتماده علي إسرائيل منعا للخضوع مرة أخري للابتزاز والضغط والحصارrlm;,rlm; ناهيك عن تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين المقيمين في القطاع وفتح القطاع أمام المعونات والدعم العربي والاسلاميrlm;.rlm; لكن التأمل في مثل هذه الدعوات غير المدروسة جيدا يكشف عن جوانب خطيرة ونتائج سياسية واستراتيجية تضر بالقضية الفلسطينية جملة وتفصيلاrlm;,rlm; فضلا عن مكافأة الاحتلال الإسرائيلي بدلا من كشف نتائجه الكارثية علي أمن واستقرار المنطقة ككلrlm;.rlm; والأسوأ من ذلك كله تحميل مصر مسئولية أمن إسرائيل وأمن القطاعrlm;,rlm; ولو بصورة غير مباشرة وهو الأمر المرفوض رفضا تاماrlm;.rlm;

لقد انتهت البشرية بعد خبرتها التاريخية الطويلة في تصفية الظاهرة الاستعمارية إلي نتيجة محددة وهي أن قوة الاحتلال ملزمة أخلاقيا وسياسيا وقانونيا بتوفير متطلبات الحياة للمواطنين الواقعين تحت الاحتلالrlm;,rlm; وهو ما تم بلورته في القانون الدولي العام وفي القانون الدولي الإنسانيrlm;.rlm; وبما أن إسرائيل هي جهة الاحتلال فمن غير المعقول ان يتم إعفاؤها من التزام قانوني دولي علي النحو الذي يبعد عنها أية مسئولية في حماية الفلسطينيين وفي توفير متطلبات الحياة لهمrlm;.rlm;

الصحيح هنا أن إسرائيل تحاول التنصل من هذه المسئوليات القانونية والأخلاقيةrlm;,rlm; وتضرب بعرض الحائط كل الالتزامات الدوليةrlm;,rlm; وتفرض حصارا ظالما علي القطاع وعلي الضفة الغربيةrlm;,rlm; وإن بطريقة مختلفة من حيث الشكل وحسبrlm;.rlm; لكن كل ذلك لا يلغي مسئولياتها أمام المجتمع الدولي وأمام التاريخrlm;.rlm; ولذلك فإن قبلنا دعوة فصل القطاع عن إسرائيل اقتصاديا نكن قد قدمنا لها خدمة تاريخية بكل معني الكلمةrlm;.rlm; فمن جانب نعفيها من مسئولياتها القانونيةrlm;,rlm; ومن جانب ثان نكرس القطيعة بين القطاع والضفة الغربية المحتلةrlm;,rlm; ومن جانب ثالث نضع العبء كله علي مصرrlm;,rlm; ورابعا نوفر حجة لإسرائيل بأن تجعل الدولة الفلسطينية المستقبلية محصورة في الضفة الغربية المحتلة فقطrlm;.rlm;

مثل هذه النتائجrlm;,rlm; تمثل كارثة كبري للقضية الفلسطينية لا يمكن لمصر أن تقبل بها تحت أي ذريعة كانتrlm;,rlm; ومن هنا فإن رفض الالتزام بربط القطاع اقتصاديا مع مصر له وجاهته السياسية والاستراتيجية ويعكس حرصا علي القضية الفلسطينية ولا يمثل انتقاصا من البعد القومي للسياسة الخارجية المصرية بل يؤكده بجدارةrlm;.rlm;

هذا البعد القومي الذي يحكم السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية يتضح جليا في ثلاثة مسارات تعمل عليها مصر الآنrlm;.rlm; الأول مسار رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني بصورة دائمة وقانونية وهو ما يتضح في كافة الاتصالات مع الأطراف الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينيةrlm;,rlm; من اجل حل مشكلة المعابر ولاسيما معبر رفح وبما يجعل المعبر مفتوحا ومنضبطا وبصورة قانونيةrlm;,rlm; ودون أن يتحول إلي مشكلة سياسية أو أمنية سواء لمصر أو للفلسطينيين أنفسهمrlm;.rlm;

أما المسار الثانيrlm;,rlm; فهو استعادة الوحدة الفلسطينية وهو ما تجلي في دعوة الرئيس مبارك لرعاية حوار بين حركتي فتح وحماس من اجل تجاوز حالة القطيعة السياسية والجغرافية بين الأراضي الفلسطينية المحتلةrlm;,rlm; ومن ثم بدء مرحلة جديدة من التوافق الوطني تعين المفاوض الفلسطيني علي متابعة المفاوضات الصعبة مع الطرف الإسرائيلي من موقع أكثر قوة وتماسكاrlm;.rlm;

أما المسار الثالثrlm;,rlm; فهو بذل كل ما يمكن بذله من أجل الحفاظ علي قوة دفع مناسبة ومعقولة لعملية التسويةrlm;,rlm; باعتبارها الأساس الذي يحقق قيام الدولة المستقلة ذات السيادةrlm;,rlm; ومن ثم ينهي المعاناة التاريخية للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات معاrlm;.rlm; وحين تبذل مصر مثل هذه الجهود فهي تدرك جيدا أن هناك صعوبات ومعوقات كثيرة وأن هناك رغبة إسرائيلية دفينة من التملص من استحقاقات عملية التسويةrlm;,rlm; كما ان هناك قيودا كثيرة تحد من قوة الدور الامريكي الذي يصعب الاستغناء عنه في أي مرحلة من مراحل التسوية السياسيةrlm;.rlm; ولكن مصر تدرك أيضا أن جزءا من مهمتها القومية يتطلب تجاوز هذه الصعوبات وبذل أقصي ما يمكن بذله عربيا وإقليميا ودوليا من اجل تذليل تلك الصعاب وفتح الثغرة تلو الأخري لتسير عربة التسويةrlm;,rlm; إلي نهايتها المحتومةrlm;.rlm;

هذه الرؤية المصرية ثلاثية الأبعاد تعني التركيز بالدرجة الاولي علي جوهر القضيةrlm;,rlm; أي إنهاء الاحتلال والاستمرار في عملية التسويةrlm;,rlm; وعدم السماح بحالة فراغ سياسي يبرر الانفلات أو العنف من أي طرف كانrlm;,rlm; وشق من الترجمة العملية لهذه الرؤية يفرض عدم الالتفات إلي الأمور الثانويةrlm;,rlm; وفي الوقت نفسه عدم السماح للأفكار أو الدعوات غير المدروسة جيدا بأن تحدد مسار الحركة المصريةrlm;,rlm; أو تحول طبيعة القضية الفلسطينية إلي حالة إنسانية وحسب وليست حالة سياسية مشروعةrlm;.rlm;