عوزي بنزيمان - هآرتس
المفاوضات التي يجريها ايهود أولمرت مع الفلسطينيين، تُذكرنا أكثر فأكثر بذاك الثعلب في المثل الشعبي المعروف، عندما أراد أن يتحاذق على السياج الذي يحيط بكرم العنب، فجوع نفسه كي يصبح نحيفا، وعندما نجح في الدخول من خلال الثغرة الضيقة في السياج، وملأ بطنه عنبا، فوجد نفسه عالقا داخل البستان. رئيس الحكومة يركز بشكل أساسي على ضمان ائتلافه الحكومي، من أجل البقاء في منصبه ومن أجل أن يُنفذ ظاهريا الهدف الذي وضعه نصب أعينه ـ التوصل الى تسوية مع ابو مازن ـ ونتيجة لذلك يقوم بشل قدرته على التقدم نحو هدفه المعلن. فعندما يرفض أولمرت بحث التسوية بخصوص القدس، تكون لقاءاته مع أبو مازن أشبه بالرحلة الجوية إلى مكان غير محدد.
ظاهريا، يتعين التعامل بتسامح مع القفز الكلامي لرئيس الحكومةshy; فمرة يتحدث عن مستقبل القدس، وأُخرى يضم هذا الموضوع الى جدول الأعمال، وثالثة يعد ببحث الموضوع لكن بعد التوصل الى تفاهمات حول جميع القضايا الأُخرى المختلف عليها ـ واعتبار سلوكه السياسي مفهوما مع الأخذ بعين الاعتبار الضغوطات الائتلافية.
بيد أن هذه الفرضية المتسامحة لا تتماشى مع شروط الحلبة الحالية: فأولمرت ليس زعيماً عظيما بقامة مناحيم بيغن، الذي كان مؤهلا للخروج الى قمة كامب ديفيد تاركا وراءه في إسرائيل انطباعا بأنه يريد الاستيطان في سيناء مع نهاية ولايته، والعودة من كامب ديفيد بعد أن تنازل عن شبه الجزيرة كلها الى المصريين؛ ولا هو يشبه اسحاق رابين، الذي وقف بجرأة وراء التحول عن موقفه الأصلي، الذي رفض بشدة المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، ثم عمل لتطبيق اتفاقات أوسلو؛ كما أنه يختلف عن ارييل شارون، الذي أتاح له اسلوبه الفظ أن يصد بلامبالاة الادعاءات التي تفيد أن إخلاء قطاع غزة يشكل خرقا مطلقا لتصوره السياسي والاستيطاني. أولمرت مصنوع من مادة أُخرى: إنه سياسي من الطبقة العادية، يفتقر الى الكاريزما وإلى القدرة على جر الجماهير خلفه الى طريق جديدة.
من هنا يُطرح التساؤل: ذلك أن الحاجة للتوصل الى تسوية بشأن مكانة القدس هي نواة لب النزاع التي يتعين بحثها. كيف يمكن التملص من هذا الأمر؟ في ظل الظروف الراهنةshy; قادة فلسطينية ضعيفة، حكومة إسرائيلة ترزح تحت تهديد شاس ـ تبث المفاوضات رائحة حادة من عدم الجدية. فالمفاوضات الحقيقية يُفترض أن تدور حول القضايا الخلافية، ويتوقع بروز صعوبات فيها، وهي مرشحة لجر الشعبين الى سجالات داخلية شديدة. عندما لا تحصل كل هذه الأمور، عندما يُجري أولمرت وابو مازن روتين من اللقاءات اللطيفة، بينما لا يوجد على الأرض أي تغيير حقيقي في سلوك الطرفين، عندها تبدو الاتصالات السياسية بينهما مثل الرقص المصطنع.
إن الطابع المراسيمي الذي تحمله المفاوضات مع الفلسطينيين يناسب الواقع السياسي في إسرائيل وهواجس الجمهور: فاستطلاعات الرأي تشير الى أن غالبية الجمهور تؤيد الآن الليكود وسائر أحزاب اليمين. هذا هو أيضا المزاج العام في الكنيست. لذلك حُكم، ظاهريا، على الخطوة السياسية التي يقودها أولمرت، بالتلاشي الذاتي. في مقابل ذلك، يسود الاعتقاد بأنه لو قُدم الى الشعبين خطة سلام مبلورة، تعرض أمامهما مستقبلا واعدا، فإنهما كانا سيتبنيانها على الرغم من أنهما على خلاف مسبق في ما بينهما، وفي داخلهما، حول كل بند من بنودها الأساسية.
يقف في اساس هذه الفرضية، تصميم الزعماء على المخاطرة، التحدث مع العدو، تقطيع الأنسجة الأكثر حساسية في النزاع، وطلب ثقة الشعب بموقفهم. لكن بماذا ترتبط هذه الأمور؟ ترتبط بزعماء يتحدثون باستقامة الى الجمهور، يشركونه في مواضيع المفاوضات الأساسية، يكشفون أمامه الصعوبات ولا يخفون التقرير الضرورية. لكن الأمور لا تبدو على هذا النحو في الواقع الإسرائيلي الحالي: يعتقد أولمرت وشركاؤه في السلطة، لسبب ما، أن السلام يُصنع بالأحابيل.
- آخر تحديث :
التعليقات