أحمد البغدادي

فرضت الولايات المتحدة الاميركية استقلال كوسوفو المسلمة فرضا ورغم أنف صربيا وروسيا . ورغم كل الصراخ والتهويل والعويل الصربي - الروسي , اعترفت دول الاتحاد الأوروبي بهذا الاستقلال علنا , كما يتبين من خلال زيارة سولانا , مسؤول الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي, ثم تبع ذلك الاعتراف الرسمي بهذه الدولة الصغيرة الناشئة, والتي ختم استقلالها السياسي ختم شهادة الوفاة للاتحاد اليوغسلافي السابق. ولقد كان الوضع الروسي مثيرا للشفقة, من خلال موقف بائس ويائس معا, وهم يصرحون, بما يشبه صراخ العجائز, حول خطأ هذا الاستقلال وتأثيراته السلبية, بزعمهم, على مجمل الأوضاع في شبه جزيرة البلقان. لقد سقطت جثة هيبة روسيا على عتبة عصر العولمة. هذا العصر الذي شهد أحداثا عظاما ثبتت حقيقة أحادية القطبية الكونية بانتصار الفكر الليبرالي وهيمنة الولايات المتحدة الاميركية على شؤون العالم. هل تذكرون quot; ربيع براغquot; يوم دخلت الدبابات السوفيتية عام 1968 , بمشاركة خمس دول من حلف وارسو ( والذي أصبح أثرا بعد عين ) أو من ذكريات الماضي الذي تلاشى مع سقوط الاتحاد السوفيتي, وذلك للقضاء على التوجه الجديد للرئيس ألكسندر دوبتشيك الذي يعارضه الاتحاد السوفيتي. واليوم ينظر قادة روسيا إلى استقلال كوسوفو وهم يتحسرون على عجزهم وانحسار ذلك الماضي الديكتاتوري المهيب الذي قضى عليه الأميركيون.
جميعنا نتذكر ما كان يقوله الكثيرون عن المصلحة النفطية للأميركيين يوم استقطبت قوات العالم الغربي لمشاركتها في حرب تحرير الكويت, ثم تجاذب الأكاذيب حول المصالح النفطية الكامنة وراء حرب تحرير العراق....وها هو النفط اليوم يباع بأسعار خيالية حيث وصل سعر البرميل إلى أكثر من مئة دولار, وهو رقم مرشح للتزايد في ظل تزايد الطلب العالمي على النفط, والجميع, بمن فيهم الولايات المتحدة الاميركية يدفعون هذه الأسعار, ولم يستغلوا الكويت أو العراق للحصول على مزايا نفطية. تؤيد الولايات المتحدة استقلال دولة صغيرة مسلمة لا نفط فيها, وهو ما لم يحدث في التاريخ البشري الحديث. وفي ظل مناقشة القائلين بالمصلحة النفطية الاميركية, سألت أحدهم عن المصلحة الاميركية المزعومة, إذ لا نفط في كوسوفو, فأجاب قائلا: بأن المصلحة الاميركية تتمثل في امتداد التأثير السياسي للسياسة الاميركية في قلب القارة الأوروبية العجوز! ووجه الاستغراب لدي يعود إلى أن الذين يتبنون هذا الرأي يتجاهلون حقيقة أن القارة الأوروبية مجتمعة عجزت عسكريا عن حسم المواجهة العسكرية لنظام سلوبودان ميلوسفتش الفاشي الذي مارس سياسة التطهير العرقي ضد المسلمين, لصالحه, مما اضطر حلف الأطلسي للاستعانة بالأميركيين للقضاء على هذا النظام الفاشي, وهو ما تمكنت أميركا من تحقيقه عسكريا , منهية بذلك أسطورة القوة العسكرية للحلف الأطلسي في حدوده الجغرافية الأوروبية. ولمن يقف ضد الولايات المتحدة, دون إنكار أخطائها في مجال السياسة الخارجية, والدعم اللامحدود لإسرائيل لاعتبارات دينية واستراتيجية, نقول لهم أن القوة العسكرية الاميركية حررت ثلاث دول مسلمة : الكويت والعراق وكوسوفو, بنفقات مالية تقدر بمليارات الدولارات, إضافة إلى التضحيات البشرية للشعب الاميركي, بعد كل هذا الفضل الاميركي على المسلمين, نقول لغير المنصفين في موقفهم تجاه أميركا, بمناسبة استقلال كوسوفو, ما يقوله المصريون في أمثالهم الشعبية:...quot; إتكسفوا على دمكم quot;, وكذلك للدول المسلمة التي لا تزال في حيرة من أمرها بالنسبة لاستقلال كوسوفو المسلمة.