علي سعد الموسى
quot;قبلت هذه الجائزة نيابة عن كل الذين خدموا الإسلام بصمتquot; وكم هم الذين سيدبجون المدائح خلف كلمات الملوك والزعماء والنافذين، ولكنني أشهد الله أنني لا أكتب اليوم في صنف هؤلاء ولا في طابورهم الطويل، بقدر ما هو شعور هائل عميق من وقع الجملة السابقة. شكراً فيصل بن عبدالعزيز، وشكراً عبدالله بن عبدالعزيز: أشهد أنك كنت للإسلام وللمسلمين جداراً عملاقاً في مرحلة بالغة الحرج والخطورة. مرحلة كانت تحتاج إلى عملاق ورجل.
لم يكن زلزال سبتمبر مجرد زوال برجين، بل أمة كاملة وتاريخ وتراث تحت المحاكمة. أمة ضعيفة مستضعفة وجدت نفسها فجأة تحت أنقاض البرجين وفي القبو الأدنى منهما. أقليات مهاجرة تحت كابوس الخوف وأكثريات في بلدانها تحت التهمة والإقصاء والشكوك والريبة. أدبيات هائلة تتنازع الأمة والدين، وكم مرت بعد الزلزال من سنين عجاف لا تكاد معها أحبار مطبعة على الأرض تخرج أوراقها إلا وقد ترادفت بها مفردة - الإسلام- في هجمة بربرية شرسة كادت أن تمسح ألفا وأربعمئة من القوة والعدل والتسامح والقيم والإرث الإنساني الذي اشترك به هذا الدين العظيم مساهمة منه في صياغة الذات البشرية.
سيدي، عبدالله بن عبدالعزيز، كان العالم يثق بك وفيك ولهذا التفت إليك واستمع منك وأشهد اليوم أنك كنت مدرسة في مواجهة الظرف الاستثنائي وأنك كنت عموداً واقفاً في وسط الأنقاض وأنك وحدك حملت للعالم بأسره بشارة هذا الدين ونبل رسالته.
سيدي، من هم الذين في تاريخ الإسلام حملوه بصمت لتقبل هذه الجائزة عنهم بالنيابة؟ إنهم أولئك العظماء الذين تجنبوا الضجيج وآثروا العمل ولم يزايدوا بالحنجرة أو القنبلة. هم ابن أبي وقاص الذي مات في جنوب الصين هارباً من ضجيج معارك - الإخوة - في فتنة سلمت منها يده فعصم منها لسانه وما زال مسجده حتى اللحظة منارة جالية هائلة. هم ابن فضلان الذي كان أول مسلم يخترق تخوم الفايكنج في شمال الدنمارك قبل ألف عام ليقول لا إله إلا الله في محيط لم يسمع من قبل حرفاً من كل هذه الكلمة. هم أبو العلاء الحضرمي الذي كان تاجر القدوة الحسنة إلى الملايو قبل ألف عام أيضاً ثم مات في - سورابايا- دون أن يعلم اليوم أنه ترك خلفه أكبر دولة مسلمة على الخريطة الكونية. هم كل من كان على شاكلتك من هواة الصمت، لأنهم كانوا في أنفسهم أسوياء نبلاء، وصادقين مخلصين. هؤلاء هم الذين تركوا للإسلام بصمة في التاريخ فالعظماء لا يخلفون حنجرة ولا قنبلة.
- آخر تحديث :
التعليقات