عصام سليمان
إن الإشكاليات بشأن اشتراك لبنان في مؤتمر القمة العربي في دمشق، تتعلق بالمضمون أكثر منها بالشكل. ولقد أعطت الطريقة التي وجهت فيها الدعوة إلى لبنان مبرراً إضافياً لعدم الحضور، وشكلت تغطية للأسباب الجوهرية التي تدفع أطراف الأكثرية النيابية للمطالبة بعدم المشاركة في القمة من خلفيات مختلفة وحسابات خاصة، كما تدفع أطرافاً من المعارضة إلى المطالبة بالعزوف عن المشاركة من خلفيات أخرى.
إن الرئيس فؤاد السنيورة ومعه النائب سعد الدين الحريري ونواب كتلة تيار المستقبل لا يرغبون بتمثيل لبنان في المؤتمر بشخص رئيس الحكومة، كون الحكومة تتولى مهام رئيس الجمهورية وكالة منذ خلو سدة الرئاسة في 24/11/،2007 ويعود ذلك لأسباب متعددة، فتيار المستقبل يتهم مسؤولين سوريين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا يترك رئيسه مناسبة إلا ويتهجم فيها على النظام السوري، وبخاصة على الرئيس بشار الأسد، ويهدد المسؤولين في سوريا بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي أنشئت خصيصا للنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتسبب إنشاؤها بمزيد من الخلافات بين الأطراف السياسية في لبنان.
إن حضور السنيورة مؤتمر القمة يسبب له الكثير من الإحراج، على الرغم من أن بعض المسؤولين السوريين، ومن بينهم وزير الخارجية وليد المعلم، رحب بقدومه إلى هذا المؤتمر، ويعتبر حضوره تراجعا عن المواقف السابقة من النظام السوري، في وقت لم تعرف فيه بعد نتائج التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري. هذا إذا تركنا جانبا الموقف السعودي من سوريا والخلافات المحتدمة بين الدولتين. فالارتباط الوثيق جداً بين السعودية وتيار المستقبل حدا بالسنيورة إلى ربط حضوره مؤتمر القمة بالتمثيل السعودي في المؤتمر. والأبعد من ذلك كله موقف الإدارة الأمريكية من النظام السوري، والضغط المتبادل بينهما على الساحة اللبنانية.
أما الأطراف المسيحية في الأكثرية النيابية، فهي ترفض مشاركة السنيورة في المؤتمر لاعتبارات أخرى، ترتبط بخلو سدة رئاسة الجمهورية. فلا يجوز أن يمثل لبنان برأيها سوى رئيس الدولة، كون المؤتمر مؤتمر قمة، ولبنان هو الدولة العربية الوحيدة التي يتولى رئاستها مسيحي، وهي الرئاسة الوحيدة للمسيحيين في الشرق. وهذه الأطراف تتهم النظام السوري بعرقلة انتخاب الرئيس، على الرغم من التوافق على انتخاب العماد ميشال سليمان، وتزكية هذا التوافق في المبادرة العربية بشأن لبنان، فترى أنه لا يجوز مكافأة سوريا على تصرفاتها بتمثيل لبنان في المؤتمر، وخلق سابقة بتمثيل رئاسة الجمهورية بغير رئيس الجمهورية المسيحي الماروني. وهذا ما عبر عنه أكثر من طرف من الأطراف المسيحية في الأكثرية.
أما الأطراف المسيحية المعارضة وتحديدا تكتل التغيير والإصلاح برئاسة العماد ميشال عون، فترى ضرورة عدم حضور لبنان المؤتمر، طالما أنه لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، فهي لا تريد أن يتمثل لبنان بغير رئيس الجمهورية، ولا تريد أن تعطي شرعية لحكومة السنيورة التي طالما اعتبرتها غير دستورية وغير شرعية. وهي تختلف، ربما في هذه المواقف، عن حلفائها في المعارضة، فقد رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري، في مقابلة تلفزيونية، أن يتمثل لبنان في القمة بالرئيس السنيورة كرئيس حكومة أمر واقع، لأنه لا يجوز للبنان أن يغيب عن القمة المنعقدة في دمشق. أما حزب الله، فلم يدل بموقف حتى الآن وكأن الأمر لا يعنيه.
وقد رأى البعض أن يتمثل لبنان بالعماد ميشال سليمان كونه مرشح التوافق لرئاسة الجمهورية ويحظى هذا الترشيح بتغطية عربية. غير أن أموراً كثيرة تحول دون ذلك، ناهيك عن موقعه على رأس المؤسسة العسكرية، وضرورة ابتعاده عن التجاذبات السياسية.
إن احتمال حل عقدة رئاسة الجمهورية، ومعها عقدة تمثيل لبنان في المؤتمر، قبل موعد انعقاده، يبدو ضئيلاً، على الرغم من أن الرئيس نبيه بري ترك المجال مفتوحا لهذا الاحتمال بتأجيل جلسة الانتخاب إلى ما قبل انعقاد المؤتمر بثلاثة ايام.
أما ما سينتج عن القمة بشأن لبنان فلا يستطيع أحد التكهن به، ويأمل الجميع الا تزداد الضغوط الاقليمية والدولية على لبنان.
التعليقات