روبرت دريفس - ذا نيشن

في بداية الهجوم العسكري الذي شنته القوات المسلحة العراقية المدربة أميركياً على البصرة، وصف الرئيس بوش ذلك العمل الذي قام به رئيس الوزراء نوري المالكي بأنه quot;قرار جريءquot;. وأضاف الرئيس بوش: quot;ربما أقول إننا أمام لحظة بالغة الأهمية في تاريخ عراق حرquot;.

ذلك صحيح. ولكن، ليس بالطريقة التي قصدها الرئيس بوش. وفي الوقت الذي ينقشع فيه الدخان عن الحطام الجديد في ثانية المدن العراقية، التي تقع في قلب المنطقة النفطية العراقية، يبدو من الواضح أن الرابح الكبير في حرب الأيام الستة في البصرة هو قوات رجل الدين الثائر مقتدى الصدر، الذي واجهت قواته المعروفة باسم quot;جيش المهديquot; القوات المسلحة العراقية، ليس في البصرة وحدها فحسب، وإنما أيضا في بغداد، كما وفي الكوت، والعمارة، والناصرية، والديوانية. وهي المناطق التي تعتبر عواصم المحافظات الجنوبية الرئيسة الأربع. وذلك يترك الصدر، وهو مثير الرعاع المعادي لأميركا، وصاحب النزعة القومية الذي يطالب بوضع حد للاحتلال الأميركي للعراق، والذي أصبح بشكل متزايد قريبا من إيران، تركه ذلك الآن وقد أصبح يتمتع بموقف أقوى بكثير مما كان عليه قبل أسبوع من الهجوم المذكور. ففي البصرة، أصبح هو السيد الذي لا ينازع. وكان مراسل صحافي عراقي يعمل لصالح نيويورك تايمز، والذي استطاع النفاذ إلى البصرة خلال الاقتتال، قد استنتج أن آلاف أفراد الميليشيات في جيش المهدي الذين يسيطرون على المدينة ظلوا مسيطرين عليها، وكتب المراسل قائلاً: quot;لم يكن هناك أي مكان لم يستطع جيش المهدي، إما السيطرة عليه، أو توجيه ضربة قوية إليه متى شاءquot;.

أما الرابح الكبير الآخر في الجولة الأحدث من الحرب الأهلية الدائرة بين الشيعة والشيعة، فهو إيران. ففي السنوات الخمس الماضية، بنت إيران لنفسها هالة سياسية واقتصادية وعسكرية ضخمة في العراق، مباشرة تحت أنوف 170.0000 جندي أميركي، الذين تضخموا بفعل زيادة عديد قوات الاحتلال الأميركية في العراق. وتحتفظ إيران بصلات قوية مع الائتلاف الشيعي الحاكم في العراق، والذي يسيطر عليه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في العراق، والذي كانت ميليشياته التي تعرف باسم quot;جيش بدرquot; الذي كان قد جند ودرب ومول وخضع لقيادة إيرانية خلال عقدين أمضاهما في المنفى في إيران. ومنذ ذاك الوقت، وبينما ترفع رهانها، بنت إيران علاقات وثيقة أيضاً مع quot;جيش المهديquot; التابع للإمام مقتدى الصدر. كما أن الصدر نفسه أمضى معظم الوقت منذ بداية زيادة عديد القوات الأميركية في العراق في شهر كانون الثاني-يناير الماضي في إيران. وبالاضافة إلى ذلك، قامت إيران بتجهيز وتدريب مجموعة كبيرة من المقاتلين ممن يدعوهم القادة العسكريون الأميركيون quot;مجموعات خاصةquot;، وهم مقاتلون شبه عسكريين بشكل أساسي، والذين حافظوا على إيقاع ثابت من الهجمات على القوات الأميركية. وهكذا، لم يكن من المفاجئ أن يسافر هادي الأميري، قائد جيش بدر والعضو البارز في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في العراق خلال عطلة نهاية الأسبوع في نهايات الشهر الماضي إلى quot;قمquot;، عاصمة إيران الدينية، للتفاوض حول الهدنة مع الصدر، والتي أسفرت عن وقف مهزوز لإطلاق النار في البصرة.

أن يخرج الصدر منتصراً، وأن تنجح إيران في التوسط لإبرام الصفقة التي وضعت حداً للقتال، فإن ذلك يشكل في حد ذاته هزيمة مزدوجة للولايات المتحدة. وهو أيضاً أمر كارثي بالنسبة للمالكي، وهناك أصلاً توقع باحتمال انهيار حكومته. لقد كان ذلك هجوماً سيئ التوقيت، أعد له بشكل بائس، ونفذ بشكل بائس، وأسفر عن هزيمة مربكة ومحرجة للمالكي.

ولكن، لماذا شن ذلك الهجوم في المقام الأول؟ وفق كل الحسابات، لقد قصد المالكي، وجماعته من حزب الدعوة الإسلامي الحاكم، والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إلى سحق الصدر في البصرة لأسباب سياسية واستراتيجية على حد سواء. سياسياً، لأن حركة الصدر هي في موقف يؤهلها لتسجيل فوز ساحق في الانتخابات في البصرة وفي عموم جنوبي العراق في الانتخابات الإقليمية المقرر إجراؤها في تشرين الأول-أكتوبر المقبل، وهي هزيمة انتخابية ستعني نهاية للنظام المكون من التحالف بين حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في العراق. واستراتيجيا، لأن البصرة هي المحرك الاقتصادي لكامل العراق، حيث تسيطر المدينة على شركة نفط جنوب العراق التي تضخ وتصدر الأغلبية العظمى من نفط العراق - وقد ظلت البصرة لسنوات تحت سيطرة الميليشيات الموالية للصدر ولحزب متفرع عن الحركة الصدرية، هو حزب الفضيلة. وعن طريق السيطرة على قوة حماية النفط، وهي قوة شبه عسكرية، وبفضل ميليشياته الخاصة، فإن حزب الفضيلة يعتبر لاعباً مهما في البصرة أيضاً، سيما وأن محافظ البصرة هو من حزب الفضيلة. ومع أن حزب الفضيلة كان قد خاض اشتباكات ضد جيش المهدي التابع للإمام الصدر، إلا أنه أبقى على سلاحه جانباً في القتال الأخير. وما من شك في أن حزب الفضيلة يعتبر مناوئا لدوداً للتحالف بين حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في العراق. وفي السنة الماضية، حاول المالكي إقصاء حكومة محافظ البصرة محمد الوائلي، الذي تجاهل أوامر المالكي وتمرد عليه رافضاً التنازل عن منصبه كمحافظ.

كان المالكي الذي أساء حساباته على نحو سيئ قد طار إلى البصرة في الأسبوع قبل الماضي من بغداد للإشراف شخصياً على الهجوم ضد قوات الصدر. وبفعلته تلك، يكون قد علق سمعته على الهجوم. وإذا كان الهجوم قد فشل حقيقة، فإن المالكي يكون قد خسر ماء وجهه. أما أن يكون التوصل إلى وقف لإطلاق النار قد تم التوصل إليه في مدينة quot;قمquot; بإيران، وتوسطت فيه طهران، فإن ذلك أمر محرج بشكل مزدوج بالنسبة إليه.

لكن الأمر يظل أسوأ من ذلك بكثير بالنسبة للولايات المتحدة. فقد عمد الرئيس بوش إلى دعم المالكي بقوة منذ تفجر معركة البصرة. ووفق ما ذكره ستيف هادلي، مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، فإن القرار بالقيام بعمل في البصرة قد اتخذ بشكل مشترك فيما بين واشنطن وبغداد. كما أن القوة الجوية الأميركية، وحتى بعض الوحدات البرية الأميركية، دعمت القوات العراقية المتأرجحة، والتي تكشف ضعفها وعدم كفاءتها أمام أنظار الجميع. فبعد خمس سنوات من التدريب العسكري الكثيف والتزود بالمعدات الأميركية الضخمة، كانت القوات المسلحة العراقية عاجزة، حتى عن السيطرة على ثانية كبريات المدن العراقية.

لعل مما يضيف إلى الذل المطبق الذي لحق ببوش، هو حقيقة أن الهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة إيرانية، قد أشرف عليها قائد ما يسمى بجيش القدس في الحرس الثوري الإيراني، وهو البريغادير جنرال قاسم سليماني الذي جمع ممثلي الإمام الصدر سوية مع هادي الأميري، قائد قوات بدر، والمساعد البارز لقائد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في العراق عبد العزيز الحكيم. وكما يجدر التذكير، كانت الحكومة الأميركية قد وسمت جيش القدس، فقط في السنة الماضية، بأنه quot;كيانquot; إرهابي. وهكذا، تكون quot;اللحظة بالغة الأهميةquot; التي تحدث عنها الرئيس بوش كما يلي: قام رئيس قوة إيرانية quot;إرهابيةquot; بالتوسط لإبرام صفقة بين حزبين شيعيين بارزين في العراق: حركة الصدر، والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في العراق.