محمود تراوري

الجمعة الماضي أسدل الستار على فعاليات أول مهرجان لسينما الخليج في دبي، وهو من جملة مهرجانات اندلعت في الإمارات في السنوات الأخيرة، دون أن نفهم بغيتها وحاجتها ، إذ بات شبه واضح الآن أنها لا تعدو أن تكون مجرد (بيزنس) في ظل واقع مرير لفقر فني مدقع ، حسب وصف المتابعة الصحفية للمهرجان الأخير، الذي أبان أشياء كثيرة لابد من التوقف عندها مليا.
وضح جليا أن التجربة الخليجية لم تتقدم خطوة عما قدمه من جهد رائد، الكويتي خالد صديق عام 1970 في تجربته الفريدة (بس يا بحر)، ثم اتبعه بتجربته (عرس الزين) واختفى، ليعاود الخليجيون مع الألفية الثالثة الركض في مضمار الحلم السينمائي دون أن يضيفوا شيئا لتجربة صديق رغم المسافة الزمنية التي تفصلهم عن السبعينيات.
محليا احترم تجربة الزميل محمد بازيد الذي لم يتهور ، وحماه المخزون المعرفي المتأتي من القراءة والمتابعة والمشاهدة بوعي ، فنجا من السقوط في فخ غواية الظهور في المهرجانات والانجراف خلف المشاركة من أجل المشاركة دون التفات للجودة ومعايير الفن.
عندما يندفع الفنان في أي مجال بنزعات خارج أطر الشرط الفني، مؤكد أنه سيسقط، وإن كابر واستمر في اندفاعه سيستمر سقوطه للأبد ولن تقوم له قائمة . إذا كانت العبارة التقليدية (فاقد الشيء لا يعطيه) تنزوي بعيدا في ذاكرتنا الثقافية، فإنها تحضر بقوة الآن لتحرضنا على المطالبة بإيقاف كل هذا الذي يسمى زورا وبهتانا (سينما خليجية). علينا ألا نتمادى أكثر مما حدث، ولنعقلن الحكاية, مطالبين بتأسيس علمي صحيح، يبدأ بالبنى التحتية ولا ينتهي عند تأهيل أكاديمي وأفق معرفي أو هامش تعبير متاح ، لأن الإبداع لا حد فاصل له.
علينا أن نخجل وندرك أن المال وحده لا يصنع إبداعا ، فهناك ما هو أهم وأعمق، (هي أشياء لا تشترى) بحسب أمل دنقل. وقديما تعلمنا أن الربيع لا يهبه لنا حقل واحد أو عصفور وحيد . فالسينما الإيرانية ، أو سينما بوركينا فاسو أو السنغال أو البرازيل ، وكل تجارب السينما المستقلة التي لا تعتد بسطوة وتقاليد هوليود، كسرت الاحتكار الهوليودي لصناعة الأفلام بميزانيات ضخمة ، وقدمت أفلاما منخفضة التكاليف، لكنها لم تخل من الرؤية و الحس الفني واللمسة الاحترافية ، لم تتخل عن لغة السينما، لتتورط في إنتاج تلفزيوني هزيل مدعية أنها تقدم سينما.
بعد تجربة دبي الأخيرة لابد أن يعلو صوت النقاد محبا مشفقا ونديا: أوقفوا المهزلة ،بددوا الوهم وأعيدوا ترتيب كل هذه الفوضى.