عبدالحميد الأنصاري

لم يكن السيد حسن نصرالله- الأمين العام لـlaquo;حزب اللهraquo;- موفقاً في هجومه على مصر وعلى دول عربية أخرى لم يسمها، لكنها معروفة، وكان خطؤه كبيراً، تحريضه الجماهير المصرية للنزول بالملايين إلى الشارع لفتح معبر رفح بصدورهم، أي بالقوة، لإمداد laquo;حماسraquo; بالسلاح والمعونات، وهو لم يكتف بتحريض الشعب بل حرض أيضاً الجيش المصري على التمرد والضغط على قياداته بهدف فتح المعبر ومساندة laquo;حماسraquo;.

لم يكن الأمين العام لـlaquo;حزب اللهraquo; موفقاُ، لأنه لا يحق لأحد التدخل في الشأن الداخلي لدولة أخرى مهما كانت المبررات والدوافع، وهو لم يكتف بالتدخل، بل أراد دق إسفين بين الشعب وحكومته والجيش وقيادته، وهذا أمر غير مقبول مطلقاً عربياً ودولياً، قانونياً وشرعياً، لقدكان المفترض في زعيم سياسي وديني له مكانته وتقديره في نفوس قطاعات عربية كبيرة أن يكون أكثر حصافةً وبعد نظر، إذ لا يمكن اتهام قيادة أكبر دولة عربية بالتفريط في حقوق الشعب الفلسطيني، ومصر التي خاضت 5 حروب، وضحت بأكثر من 100 ألف شهيد من أبنائها، غير مئات الألوف من الجرحى، ودفعت بالغالي والنفيس في سبيل فلسطين، لا يمكن لأي عربي شريف أن يزايد عليها أو يشكّك في دورها أو يتنكر لجهودها.

الأسئلة المطروحة على خلفية هذا الهجوم، هي:

أولاً: ما أهداف نصرالله من هذا الهجوم؟

في تصوري أن السيد نصرالله يهدف إلى تحقيق أحد أمرين:

-1 الضغط على القيادة المصرية، وإرغامها على فتح معبر رفح من غير أي ضوابط أو قيود لإمداد laquo;حماسraquo; بالسلاح والمجاهدين، ومن ثم توريط مصر في حرب هي غير مستعدة لها، تماماً مثلما فعل هو في صيف 2006 بمغامرته (غير المحسوبة) التي جرت الخراب والدمار على لبنان وتسببت في تشريد مئات الألوف من اللبنانيين وسقوط أكثر من ألف قتيل.

-2 دفع الجيش المصري للتمرد على قيادتة، وإرغامها على المواجهة مع إسرائيل.

لم تجد تصريحات نصرالله أي صدى لدى المصريين، ولم يخرج مصري واحد استجابة لنداءاته، وكان الشعب المصري على مستوى من الوعي ما جعلهم يردون غاضبين عليه، بل حتى أحزاب المعارضة أجمعت على أن نصرالله إنما ينطق بلسان طهران مستغلاً مأساة غزة، وكان رد فعل الحكومة المصرية على لسان وزير خارجيتها (أبوالغيط) قوياً، حيث قال إن تصريحات نصرالله تندرج ضمن حملة إعلامية تشارك فيها فضائيات ودول وأفراد في الحرب على مصر، وأضاف laquo;أنه شخص لا يعي من أمره شيئاraquo; وفي كلمته بمناسبة العامين الهجري والميلادي الجديدين قال الرئيس مبارك laquo;إن مواقفنا الداعمة للقضية الفلسطينية لا تقبل التشكيك والمهاتراتraquo; وأضاف laquo;إن الدم الفلسطيني ليس رخيصاً أو مستباحاً وإن مصر ترفض تحقيق مكاسب سياسية بالمتاجرة بدماء الفلسطينيينraquo; كما أجمع كتاب مصر على أن خطاب نصرالله أخطأ العنوان، فمصر لا يوجه إليها مثل هذا الخطاب التحريضي، التشكيكي، التخويني، وكان الأجدر بنصرالله توجيه خطابه إلى عناوين أخرى لطالما هددت بمحو إسرائيل، لكنها لم تطلق رصاصة واحدة ضدها، إن مصر لا تحتاج إلى شهادة من أحد، ويكفي البيان الإجماعي لوزراء خارجية العرب الذي ثمن دور مصر، ورفض أي تطاول عليها، كأبلغ رد على خطاب نصرالله، ولكن مما يؤسف له أن يجد تحريض نصرالله صدى لدى جماهير مضللة تظاهرت أمام السفارات المصرية في عواصم عربية معينة.

المسيرات الشعبية المساندة لأهالي غزة، والمنددة بالعدوان الإسرائيلي، حق، والمسارعة إلى التبرعات وتقديم كل أنواع الدعم والغوث، واجب ديني وقومي بل هو إنساني في المقام الأول، والتظاهرات الجماهيرية المطالبة بموقف عربي موحد وضاغط من أجل إيقاف النار الإسرائيلية الوحشية، محل تقدير، ولكن ما ليس مقبولا أن تخرج أصوات شاذة خلال- انتفاضة بعض النواب والجمعيات في الكويتndash; ضد ما أسمته laquo;تواطؤ الأنظمة العربية في الحصار الجائر والشريكة في المجازرraquo; تارة أو ما وصفته بالموقف العربي laquo;الصامتraquo; وlaquo;المتفرجraquo; وlaquo;المتخاذلraquo; تارة ثانية أو المطالبة بـlaquo;فتح باب الجهادraquo; تارة ثالثة، في تصوري أن هذه الأصوات تبحث عن كسب شعبي عبر ترديد تلك الشعارات الحماسية المضللة، إذ لا يوجد نظام عربي يرضى بالبطش الإسرائيلي الحاصل بأهالي غزة، فضلاً أن يكون هناك نظام عربي متواطئ، كما أنه ليس من الإنصاف اتهام الدول العربية بالصمت والتفرج والتخاذل، في حين أننا نشهد التحركات العربية المحمومة، وعلى كل المستويات، سواء بالمسارعة بتقديم كل أنواع الإغاثة وتيسير وصولها عبر معبر رفح المفتوح، أو على مستوى الجهود سياسية والدبلوماسية المكثفة لوقف العدوان وفك الحصار عبر المحفل الدولي، لا أدري ما الذي يسعى إليه هؤلاء الذين يرددون تلك العبارات الجوفاء؟ هل يريدوننا أن نحارب إسرائيل ونتورط في حرب كارثية مدمرة مرة أخرى؟ ألم تكفنا الحروب المدمرة السابقة؟ هؤلاء الذين يتهمون العرب بالعجز والتخاذل، لماذا لا يبرهنون لنا على عنترياتهم الفعلية لا القولية، ونحن سنصفق لهم طويلاً؟! ويبقى أن نقول: إن ذلك المشهد الهزلي لذلك النائب الكويتي الذي رفع حذاءه عالياً، وقال: هذا لعباس! قد أساء إلى نفسه لا لعباس، ولن يضير عباس شيئا، ويكفيه فخراً جهده الأسطوري من أجل وقف العدوان على شعبه.

ثانياً: لماذا ركز السيد نصرالله هجومه على مصر بالذات؟ إن مصر هي الدولة العربية الكبرى التي تقف سداً منيعاً أمام مخططات إيران في نشر الفوضى والانقسام في المنطقة، وهي تشكل بمكانتها ودورها أكبر تحد للأطماع الإيرانية الساعية إلى توظيف الملفات العربية الساخنة كأوراق تفاوضية مع الإدارة الأميركية الجديدة، سعياً في أن تصبح laquo;شرطي المنطقةraquo; لذلك قادت إيران وعبر وكلائها المحليين واللوبي الإيراني في المنطقة، حملة دعائية مضللة تتهم مصر بالتواطؤ في حصار غزة، وضرب laquo;حماسraquo;، لأن مصر ترفض فتح معبر laquo;رفحraquo; كما تريده laquo;حماسraquo;.

لقد أصبح معبر رفح laquo;قميص عثمانraquo; الجديد، يلوح به هؤلاء، وهم يعلمون جيداً أن هذا المعبر تحكمه laquo;اتفاقية دوليةraquo; موقعة عام 2005 بين 3 أطراف، هي: السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومراقبون من الاتحاد الأوروبي، وبعد استيلاء laquo;حماسraquo; على غزة وغياب السلطة الفلسطينية ومراقبي الاتحاد الأوروبي، وبالمخالفة للاتفاقية الدولية، بادرت مصر ولاتزال بفتح المعبر أمام الحالات الإنسانية، لكن حملة قميص عثمان يريدونه مفتوحاً على laquo;البحريraquo; للسلاح والمجاهدين وكل شيء، وهذا ما ترفضه مصر ليس التزاما ً بالاتفاقية فحسب، بل حفاظاً على أمنها القومي، ومن الغريب أن هناك 6 معابر أخرى لا تهتم laquo;حماسraquo; بفتحها بل لا ترى بأساً في إغلاقها، وتصر إصراراً عجيباً على فتح معبر رفح وحده، وتقيم الدنيا ولا تقعدها ضد مصر، لماذا؟ حتى تكرس laquo;حماسraquo; نفسها كسلطة شرعية معترف بها عربياً ودولياً، وهذا ما ترفضه مصر تماماً، أيضاً، لسببين:

-1 حتى لا تكرس الانفصال وتعمقه طبقاً للأهداف الإسرائيلية، وهذا ما أشار إليه الرئيس مبارك في كلمتة.

-2 أن مصر لا تعترف إلا بسلطة شرعية واحدة للفسلطينيين، ومعنى موافقة مصر على بقاء المعبر مفتوحاً على الدوام، اعترافها بسلطتين شرعيتين للفلسطينيين، وما يؤكد هذا الكلام أن laquo;أبو الغيطraquo; اقترح كحل لهذا الإشكال، وجود موظفين تابعين للسلطه الفلسطينية على المعبر لكن laquo;حماسraquo; وحلفاءها رفضوا، لأن laquo;حماسraquo; تريد أن تكون هي السلطة المشرفة على المعبر ولأن الهدف من فتح المعبر أن يكون معبراً للاعتراف بشرعيتها.

ثالثاً: لماذا هجوم نصرالله على مصر ودول عربية في هذا الوقت؟

في التكتيك العسكري، قاعدة تقول: laquo;الهجوم خير وسيلة للدفاعraquo;، وفي علم النفس: laquo;إذا أردت أن تتفادى أسئلة الآخرين المحرجة، فبادرهم بأسئلة تشغلهم وتصرف الأنظار عنكraquo;، وفي الرياضة: laquo;ارم الكرة في ملعب الآخرين فينشغلوا عنكraquo;، وهذا هو التكتيك السياسي الذي اتبعه نصرالله، فهو يعلم أن laquo;حماسraquo; حليفته تتعرض لعدوان إسرائيلي وحشي، وكل الأنظار متجهة إليه، وقد تتساءل وتطرح مطالب محرجة: أين صواريخك التي وعدتنا يا سيد حسن نصرالله؟! أين صواريخ شهاب التي تصل إلى قلب laquo;تل أبيبraquo; والتي لطالما هددت بها إيران إسرائيل؟ متى تطلق صواريخك يا حسن نصرالله لنجدة حليفتك laquo;حماسraquo; أو لتخفيف الضغط عليها؟ وإذا لم تستخدمها الآن وفي هذه الفرصة الذهبية فمتى إذن؟ حتى يتفادى نصرالله هذه الأسئلة المحرجة بادر بالهجوم على مصر.

السؤال الموجه لصاحب النصر الإلهي وللجماهير التي تظاهرت أمام السفارات المصرية وللنائب الذي رفع حذاءه هو: من الأولى بالاستجابة لنداءات نجدة laquo;حماسraquo; بالسلاح والمجاهدين؟ مصر والأردن اللتان وقعتا اتفاقية السلام أم الدول العربية المؤيدة لمبادرة السلام أم إيران وميليشيات laquo;حزب اللهraquo;؟

مصر والأردن وبقية الدول العربية غير مستعدة للتورط في حرب غير متكافئة مع إسرائيل، فلماذا لا تتقدم إيران وlaquo;حزب اللهraquo; (وهي غير مكبلة باتفاقيات) بنصرة laquo;حماسraquo;؟

لا لن يفعلها نصر الله مرة أخرى، لقد وعى الدرس القاسي، ولن ترى laquo;حماسraquo; صاروخاً واحداً ينجدها لا من laquo;حزب اللهraquo; ولا من إيران، لن ترى laquo;حماسraquo; من أصدقائها غير الصراخ والهياج والخطب العنترية الرنانة.

حفظ الله الشعب الفلسطيني وأهالي غزة من أهوال هذه الحرب المجنونة، وكان الله في عونهم، وستدرك laquo;حماسraquo; بعد نجاتها بإذن الله من هذه المحنة، أن الذين وقفوا بجانبها وساندوها فعلاً هم إخوة النضال الذين تتهمهم بالتآمر وترفض التصالح معهم، وأن الذين أنجدوها هي تلك الدول العربية التي تتنكر لجهودها، أما حلفاؤها الذين زينوا لها مقاطعة المصالحة ورفض التهدئة، وورطوها وخدعوها فلم يسعفوها في محنتها، ولعلها أكبر درس تتعلمه laquo;حماسraquo; من هذه المحنة.