رحل عن 87 عاماً وشارك في جنازته المرشد العام لـlaquo;الإخوانraquo; ...

القاهرة - سيد محمود

غيّب الموت أمس المفكر المصري محمود أمين العالم عن 87 عاماً، إثر أزمة قلبية مفاجئة، وشيع جثمانه في مسجد مصطفى محمود في المهندسين، في جنازة شارك فيها جمع من المثقفين والسياسيين والحزبيين المصريين، ومنهم المرشد العام لـlaquo;الإخوان المسلمينraquo; مهدي عاكف. والراحل نموذج للمثقف العربي الإشكالي بامتياز، عاش تناقضات كان من الصعب حسمها ارتبطت بالموقف من السلطة وطريقة التعامل معها. ورغم نشأته الدينية والتحاقه المبكر بأحد الكتاتيب في حي الدرب الأحمر، عمد الى دراسة الفلسفة في جامعة القاهرة قبيل انخراطه في صفوف الحزب الشيوعي المصري. وعمل موظفاً في مكتبة الجامعة قبل أن ينضم الى هيئة التدريس التي فصل منها في الأزمة المعروفة laquo;مذبحةraquo; الجامعة العام 1954. ولمع اسمه انطلاقاً من المقالات التي كتبها مع صديقه عبدالعظيم أنيس تحت عنوان laquo;في الثقافة المصريةraquo;، وقد بدأها في جريدة laquo;الوفد المصريraquo; ووضعت لُبنات التصورات التي تبنتها الطلائع اليسارية العربية في شأن التفسير الواقعي للأدب، والتي رد عليها طه حسين في مقاله الشهير laquo;يواني فلا يقرأraquo;. وبهذا المقال بدأت معركة نظرية في مجال الأدب كان لها تأثير في المستوى العربي بعامة، وفي تنمية الاتجاه الواقعي الجدلي في النقد الأدبي. ومع أن العالم كان من بين الشيوعيين المصريين الذين زج بهم النظام الناصري في السجون وانتقدوا خطوات الوحدة مع سورية العام 1958 لافتقادها الشروط الموضوعية، فإنه كان من بين المؤيدين لقرار حل الحزب الشيوعي المصري العام 1965، وهو القرار الذي قوبل بجملة من التفسيرات لدى الأجيال التالية التي اتهمت جيل العالم بـ laquo;بيع القضيةraquo; والدخول في صفقة مع النظام انتهت الى تأسيس التنظيم الطليعي داخل الاتحاد الاشتراكي. وهي صفقة رأى البعض أن ثمنها تمثل في تولي رموز هذا الجيل مسؤوليات مهمة في أجهزته الإعلامية والثقافية. وفي هذا السياق تولى العالم رئاسة هيئة الكتاب ومؤسسة laquo;أخبار اليومraquo; ورئاسة هيئة المسرح. وعلى رغم انتقاداته الحادة للناصرية، فإنه ظل ينظر الى عبدالناصر كزعيم وطني سعى الى ترسيخ الاستقلال الوطني وتبنى جملة من القرارات لمصلحة الطبقة العاملة. وبموت عبدالناصر، دخل العالم في مرحلة جديدة من الصدام مع السلطة ممثلة في شخص الرئيس الراحل أنور السادات الذي وقف منه موقفاً معارضاً وصريحاً في اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي التي كان عضواً فيها بالانتخاب الشعبي، إضافة الى عضويته في أمانة التنظيم الطليعي. ولذلك اعتقل مع من سمّاهم السادات مراكز القوى داخل النظام.
وعلى أثر خروجه من السجن سافر الى أوروبا ودرّس في جامعة باريس 8 بعد فترة قصيرة من العمل في جامعة اكسفورد، وظل يدرس فيها حتى 1984. وكان خلال هذه الأعوام صديقاً للمستشرق الفرنسي جاك بيرك.
وخلال هذه الإقامة في باريس أنشأ مع بعض الرفاق المصريين مجلة شهرية هي laquo;اليسار العربيraquo; للدفاع عن الوحدة العربية والديموقراطية والتحرر السياسي والاقتصادي. وشارك في الجبهة الوطنية المصرية المناهضة للسياسة الساداتية عندما بدأ السادات مشروعه للصلح مع إسرائيل، فحوكم غيابياً في محكمة laquo;العيبraquo; التي حرمته من حقوقه المدنية والسياسية. وعند عودته الى مصر بعد تغيّر المناخ السياسي نسبياً انخرط في صفوف حزب التجمع اليساري وعمل على إصدار كتاب غير دوري هو laquo;قضايا فكريةraquo;، وقد صدر منه عشرون عدداً، واختير مقرراً للجنة الفلسفة في المجلس الأعلى للثقافة. وحصل العام 1998 على جائزة الدولة التقديرية قبل أن تمنعه أحوال الشيخوخة من مواصلة العمل. غير أن الراحل ظل يشارك في كل المؤسسات الرسمية والأهلية، وقبل وفاته بساعات سلّم مقالاً الى صحيفة laquo;الأهرامraquo; يردّ فيه على كتاب laquo;القصيدة الخرساءraquo; للشاعر عبدالمعطي حجازي، وهو الرد الذي انتصر فيه لقصيدة النثر مراهناً على تأكيد انتمائها للمستقبل.