صالح الخريبي

لو بحثت عن كلمة سيروس في الإنترنت لعثرث على شركات للأقمار الاصطناعية تحمل هذا الإسم، ولقالت لك دائرة المعارف ويبكيديا إن اليونانيين القدامى أطلقوا اسمه على أكثر النجوم لمعانا في السماء، لكن احداً لن يذكر لك أنه فيلسوف فينيقي كان أستاذاً لسقراط، وأنه هو الذي علم فلاسفة اليونان كيف يفكرون، ومن أجل ذلك أطلق على نجم شديد اللمعان مقداره 1،48 بمقاييس لمعان النجوم.

وكلمة سيروس بالإغريقية القديمة تعني (السوري) وكان هذا الرجل معلما كبيراً في الأدب والفلسفة والعلوم والفلك، ولك ان تستغرب كيف تغفل المصادر الغربية حتى الإشارة إليه أو إلى دوره في فلسفة سقراط، ولكن دهشتك حتما ستزول عندما تعرف أنها تفعل ذلك لتبرير زعمها بأن الفلسفة اليونانية غربية خالصة، وأن الحضارة اليونانية هي أم الحضارات.

والبصمات الكنعانية والفينيقية والفرعونية واضحة في الثقافة اليونانية القديمة، خصوصاً في الأساطير التي كانت تنتقل إلى اليونان عن طريق ليبيا، وأسخيلوس، أبو المسرح اليوناني، عربي فينيقي يتحدر من أبوين فينيقيين، وقد كتب كل مسرحياته باللغة الفينيقية لا باليونانية، وأعطى بعض شخصيات مسرحياته أسماء فينيقية، وبعض مواضيعها كانت عربية. ومسرحية ldquo;بروميثيوس مقيداًrdquo; التي ترجمها الدكتور لويس عوض إلى العربية ترمز الى الإنسان العربي الفينيقي وتصور معاناته في سبيل نشر الحضارة بين متخلفي ذلك الزمان، ومن بينهم الإغريق القدامى، بل ان اليونانيين القدامى كانوا يطلقون على الفينيقيين اسم ldquo;المعلمينrdquo;. وقبل مدة نشرت كريستيان تويكلور، عالمة المصريات المعروفة، دراسة قالت فيها إن مسرحيات أوربيدوس هي في الأصل مسرحيات مصرية قديمة كانت تمثل بأبيدوس خلال الألف الثاني قبل الميلاد، أي قبل ولادة المسرح في اليونان بما يزيد على 1500 سنة، وrdquo;مسرحية آلامrdquo; تصور بالأساس موت أوزيريس وكيف تناثرت أشلاؤه، وكيف جمعتها أخته وزوجته إيزيس ثانية، والعديد من المسرحيات التي نظن أنها يونانية هي في الأصل فرعونية قديمة كانت تمثل في الحفلات الدينية المصرية، إلى جانب مسرحيات أخرى تستملي الأساطير، غير أن أحداث هذه المسرحيات الأخرى لم تكن خفية الرمز بل أقرب إلى الواقع وأكثر صلة بالحياة، وكانت الأوثان فيها، على عكس المسرحيات الدينية، تقوم بما يقوم به البشر وتتكلم كما يتكلمون، كما هو الحال في القصص الشعري. ويلمح ألاردايس نيكول، مؤرخ الدراما المعروف إلى أن المؤلفين اليونانيين القدامى أفادوا من المسرحيات الفرعونية القديمة التي لم تكن مجرد ldquo;محاولات دراميةrdquo; كما يقول النقاد الغربيون. ونذكر أن سقراط الذي عاصر أفلاطون وأنشأ بمساعدته ما يعرف بالأكاديمية التي تعتبر أول مدرسة للتعليم العالي في الدول الغربية، زار مصر والتقى بكهنتها، ويعترف أنه سمع منهم عن قصة قارة اطلانطيس، فهل كان سقراط يكلف نفسه عناء السفر من اليونان إلى مصر لو لم يكن يعرف أنه سيجد فيها ما لا يجده في اليونان، خصوصا أن سقراط فيلسوف وليس رحالة؟ وهل كان يشعر بالانبهار بثقافة منطقتنا ويقول: ldquo;من ليبيا يأتي دائما شيء جديدrdquo;؟

الحضارة الغربية مدينة لنا بالكثير، لكنها لا تريد أن تعترف أن نبع الحضارة العالمية انبثق من هذه المنطقة، وليس من أثينا، وكم نظلم أنفسنا عندما نهمل تاريخنا ونترك للآخرين حرية تزييفه.