لندن - رائد الخمار

يوم السبت في السادس من يناير 1979 تنعقد قمة رباعية دافئة في غوادلوب الكاريبي حضرها الرئيس الاميركي جيمي كارتر والرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان ومستشار المانيا هيلموت شميت ورئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان للتداول في الشؤون الدولية، وخُصص جزء منها للبحث في مصير ايران وسط الانباء غير المؤكدة عن قرب مغادرة الشاه البلاد، ومن ثم امكانات تسلم الحركة الدينية الحكم.
وفي الوثائق البريطانية، التي افرج عنها الارشيف الوطني نهاية العام الماضي، وثيقة واحدة، اخفيت اسطر عدة منها، وما بقي يظهر اتفاقا بين الاربعة الحلفاء على ان الشاه سيغادر ايران الى الابد خلال ايام قليلة.

آراء الأربعة

اشار الرئيس كارتر الى اعتقاد ادارته ان الامور قد لا تكون اسوأ بعد مغادرة الشاه البلاد، في حين اعرب كالاهان عن اعتقاد حكومته ان من سيحكم البلاد بعد الشاه سيكون اقل قرباً من الغرب، وقد تكون اكثر من صديقة للاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية. وانتقد الرئيس الفرنسي اسلوب الشاه وقال laquo;انه لم يتخذ الاجراءات المناسبة عندما كان قادراً على الامساك بزمام الامور في طهرانraquo;. واشار إلى ان الصراع على السلطة في المستقبل سيتمثل في صراع بين القوات المسلحة، التي لا تزال متماسكة، وبين القيادات الدينية.
واشار إلى ان حكومته قررت في وقت من الاوقات طرد الخميني من فرنسا لكن الشاه طلب منه ابقاءه في منفاه بدلاً من جعله شهيداً او حتى جعله يتسلل إلى الاراضي الايرانية سراً.
ولم يظهر في الوثيقة اي قرار موحد ستتخذه الدول الاربع، ذات المصالح الحيوية في ايران، من حكومة شابور بختيار او اي حكومة ستتشكل بعدها.
ولم تظهر في الوثيقة المجتزأة اي بوادر عن خطة موحدة لاجلاء الرعايا الغربيين عن ايران تحسبا من ان يعتبرها الحكم الجديد خطوة معادية.

إجلاء الرعايا

وفي تقرير رفعه وزير الخارجية دايفيد اوين إلى كالاهان في اليوم نفسه لانعقاد القمة تحدث فيه عن الحاجة إلى اجلاء الرعايا البريطانيين ومن يريد من الغربيين عن ايران في ضوء تدهور الاوضاع المعيشية والامنية فيها.
وكان السفير البريطاني في طهران وجه المواطنين البريطانيين، الذين ليس لوجودهم ضرورة قصوى في ايران، بمغادرتها فوراً، لكن مغادرتهم عُرقلت بسبب تعذر المواصلات احياناً وكذلك الاضرابات التي جعلت انتقالهم إلى المطارات والمرافئ غير آمن. وتبين ان الخطوط الجوية البريطانية اكملت استعداداتها لارسال ما يلزم من الطائرات إلى طهران وغيرها لنقل البريطانيين والغربيين واعادتهم إلى بريطانيا عبر جسر جوي بدأ في الثالث من يناير.
واشار التقرير إلى ان عدد البريطانيين في ايران كان في حدود 10 آلاف قبل اندلاع الازمة في سبتمبر 1978، وتراجع العدد إلى حوالي 4400 حالياً منهم 2500 في طهران. وتُقدر السفارة ان من بين هؤلاء مئات من البريطانيات المتزوجات من ايرانيين وقد لا يغادرن في مختلف الظروف.
واشار الوزير إلى ان عدداً من شركات الطيران الخاصة ابدت استعدادها لتسيير رحلات إلى مدن ايرانية لنقل البريطانيين لكن ادارة الطيران المدني ارتأت ان ذلك غير ممكن لأنه يزيد الضغوط على الحركة الجوية المعطلة بسبب الاضرابات.
وقال اوين ان وزارة الدفاع البريطانية وضعت وحداتها على اهبة الاستعداد للتدخل واجلاء الرعايا الغربيين لكننا لا نريد زيادة الامور سوءاً نظراً لحساسية ارسال طيران عسكري بريطاني الى ايران في هذا الوقت الحساس جدا، الا اذا اضطررنا الى ذلك.

سفينة حربية

وكان وزيرا الخارجية اوين والدفاع فريد موللي سمحا لسفينة حربية بريطانية باجلاء عدد من الرعايا البريطانيين والغربيين من بندر عباس ونقلهم الى دبي.
وارسلت وزارة الدفاع طائرتي هيركوليس عسكريتين الى البحرين استعدادا لاجلاء مدربين عسكريين ومدنيين بريطانيين من اماكن تواجدهم في المدرسة الحربية الايرانية في ماجد السليمان.
وتحدث اوين عن تنسيق كامل مع الاميركيين والفرنسيين والالمان والاستراليين والكنديين وغيرهم من اركان التحالف لاقتسام خطط اجلاء الرعايا في حال تدهورت الاوضاع بشدة.
واستبعد الوزير تحسن الاوضاع في وقت قريب، وقال laquo;ان خطة الاجلاء الطارئ قد تطبق بسرعة قياسيةraquo;.
واشار الى انه حتى الآن لم يقتل اي بريطاني في حوادث شغب ضد الاجانب او البريطانيين تحديدا.

أزمة نفط

وفي الرابع من يناير واجهت بريطانيا والدول التي تستورد النفط من ايران ازمة تمثلت بوقف صادرات النفط الايراني بسبب اضراب عام لعمال القطاع النفطي فيها.
وكتب وزير الخارجية دايفيد اوين تقريرا الى رئيس الوزراء عن انعكاسات انقطاع النفط الايراني على بريطانيا بعد مشاورات شاركت فيها وزارة الطاقة ووكالة الطاقة الدولية التي بحثت ما اذا كانت هناك ضرورات للاستعانة بالاحتياط لتغطية العجز الناتج عن انقطاع النفط الايراني.
ونتيجة المشاورات بين الوزير اوين ووزير الطاقة طوني بن تبين ان بريطانيا اتخذت اجراءات كفيلة بتعويض اي نقص للنفط الايراني عبر ترتيبات مع laquo;بريتيش بتروليومraquo; التي سارعت الى الاستعانة بالاحتياط المتوافر لها في السعودية.
وكانت laquo;بي بيraquo; حذرت في نوفمبر 1978 من ان انقطاع النفط الايراني وزيادة الاعتماد على نفط الدول غير الاعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط laquo;اوبكraquo; قد يؤديان الى ارتفاع الاسعار، مما قد يشجع laquo;اوبكraquo; على رفع اسعارها كذلك، خصوصا في الاجتماعات الدورية في مارس ويونيو او حتى في نهاية العام.
واشار اوين الى انه طالما ان وقف صادرات النفط الايراني مؤقت حتى اشعار آخر من غير الضروري ان تُتخذ اجراءات غير عادية.
ولاحظ اوين ان الامر الاكثر اثارة هو انقطاع النفط الايراني عن اسرائيل وجنوب افريقيا اللتين كان الشاه تعهد بتزويدهما بالنفط وبنسبة 60 و90 في المائة من حاجتهما.
وتبين ان جنوب افريقيا لديها احتياطي يكفي لسنتين في حين ان اسرائيل تستطيع الاعتماد على نفط تؤمنه الشركات الاميركية عبر وسائلها الخاصة حتى تعقد الحكومة الاسرائيلية ما يكفي من اتفاقات مع المكسيك وغيرها اضافة الى حصولها على حصة من انتاج بحر الشمال.
وشدد اوين على ان الخميني اكد في بياناته الاخيرة ان اي حكومة اسلامية ستتشكل في ايران ستلغي اي اتفاقات لتزويد اسرائيل وجنوب افريقيا بالنفط الايراني فوراً.

قرارات لا ترضي أحداً

مع الاهتمام بالنفط، كانت السفارة البريطانية في طهران تتابع بدقة ما يعلنه بختيار من قرارات كانت لا ترضي الاسلاميين ولا الجيش ولا حتى الدول الغربية.
وفي تقرير رفعه السفير بارسنز الى الخارجية اشارة الى ان بختيار شدد على استمرار تسليح الجيش laquo;وفق الحاجة ووفق تأمين الموارد الكافيةraquo; من دون ان يُحدد اي موازنة معينة ستُخصص لتسليح القوات المسلحة او حتى الاشارة الى العقود التي كانت حكومات الشاه المتعاقبة وقعتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا.
ولاحظ بارسنز ان انتاج النفط تراجع الى 230 الف برميل يومياً بالكاد يكفي لانتاج البنزين ووقود التدفئة من مصفاة عبادان للاستهلاك المحلي.
ولاحظ ان احد رجال الدين (قد يكون رفسنجاني) رافق بازركان في جولته على مناطق انتاج النفط لاستعادة المبادرة من رجال دين متطرفين واخضاع الانتاج النفطي فيها الى سيطرة معتدلين يتبعون توجيهات الخميني الذي اصبح بصورة مطلقة الآمر الناهي لمستقبل ايران ولو من منفاه الفرنسي.
وبدا ان الحكومة البريطانية لاحظت وصول عدد من الضباط الكبار الايرانيين الى لندن ومن بينهم الجنرال دجام وراحت تواصل الاتصال بهم لمعرفة اتجاهاتهم في المرحلة المقبلة.
وفي المرحلة الحساسة التي سبقت نيل حكومة بختيار الثقة، تبين ان اموالاً ضخمة كانت سُحبت من المصارف أرسلت نقداً الى مصارف بريطانية وفروع مصارف اميركية في لندن ودبي وبيروت، وتم ايداعها باسماء مختلفة. كما وصلت كميات كبيرة من التحف والسجاد العجمي الخالص الى الاسواق البريطانية والفرنسية وبدأت تعرض على تجار التحف الشرقية باسعار زهيدة نسبياً للحصول على السيولة.

الحلقة المقبلة:
تقرير عن حكم الشاه والمرحلة الانتقالية