مالك التريكي

الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته 'القدس العربي' أخيرا بعنوان 'الأمة العربية وأزواجها الخمسة' كان من الطراز الذي قال فيه محمود درويش يوما (في سياق الحديث عن رسوم ناجي العلي، على ما أظن) إنه يغني عن قراءة الجريدة...
العنوان يحيل طبعا إلى المسلسل الرمضاني 'زهرة وأزواجها الخمسة'.
مسلسل عادي، أو لا يكاد، من النوع الذي يتمخض فيه كبار الممثلين عن صغائر تلفزيونية يتدرب الجمهور، بمشاهدتها، على الصفح عند المقدرة. على أن الإحالة قد وفت بالغرض. فزهرة هذه امرأة شقية لا تجد ضالتها ولا تبلغ سعادتها لا في زمن الفقر الأول ولا في زمن الغنى الطارىء. كذلك هي حال الأمة العربية منذ منتصف القرن العشرين.
ولهذا فقد صورها الكاريكاتور عروسا توالى عليها خمسة أزواج (زعماء): جمال عبد الناصر، صدام حسين، محمود أحمدي نجاد، رجب الطيب أردوغان وباراك أوباما! ولا شك في أن الأمة العربية لم تعرف زعيما قوميا محبوبا بحق سوى عبد الناصر. وكان الظرف التاريخي الذي تزعم فيه عبد الناصر أمة العرب ظرفا مؤاتيا. بل لعله كان ظرفا مثاليا، من الناحية النظرية على الأقل. إذ إن مرحلة الخمسينيات والستينيات كانت مرحلة تصفية الاستعمار والبدء ببناء الدولة العصرية في كثير من البلاد العربية (وبلدان العالم الثالث عموما). بحيث يجوز المجادلة بأن تلك المرحلة قد كانت أنسب المراحل التاريخية لتشييد التنمية على أسس من التكامل الاقتصادي بين مختلف الدول العربية وللانتقال المدروس من النمط الزراعي القديم إلى التصنيع المتنوع، ومن البنى المجتمعية العتيقة إلى التحديث القائم على جودة التعليم الوطني المتاح للجميع وعلى الجدارة الفردية الفاتحة لأفق الحراك الاجتماعي. لكن عوائق كثيرة حالت دون ذلك يمكن اختصارها في اثنين. العائق الأول هو تألب الاستعمار القديم (خاصة بريطانيا وفرنسا) والاستعمار الجديد (خاصة إسرائيل وأمريكا) ضد التجربة المصرية في الاستقلال والتنمية. أما العائق الثاني فهو 'العجز الديمقراطي' (حسب التعبير الإنكليزي الشائع) داخليا، أي تسلطية نظام الاستخبارات، إضافة إلى عدم إتقان إدارة لعبة العلاقات الدولية، خاصة في ما يتعلق بالتوازن السياسي والاستراتيجي مع إسرائيل.
لكن رغم النقائص، فقد كان عبد الناصر هو الزعيم الوحيد، في القرن العشرين، الذي أحبه العرب حبا حقيقيا وأجمعوا عليه إجماعا لا مثيل له إلا الإجماع حول صوت أم كلثوم- إجماعا تأتى من أصالة الكاريزما ووطنية المشروع. أما صدام حسين فلم يكن بينه وبين الأمة العربية موعد تاريخي وإنما تعثرت فيه الأمة أثناء رحلة التيه التي أعقبت خروج مصر الرسمية عن الصف العربي بعد عقد الصلح المنفرد مع إسرائيل. تعثرت فيه الأمة تعثرا، فإذا بها تظن أنه هو الذي سيقيلها من عثرتها. وقد أوهمها هو بذلك لفرط مغامراته المجانية وحروبه العبثية ضد الإخوة والجيران، إضافة لبعض صواريخ طائشة ضد إسرائيل ومنح متأخرة لعائلات الشهداء الفلسطينيين. صحيح أن مناخ النوستالجيا السائد اليوم يجعل عهد صدام حسين يبدو كأنه عهد خير وفلاح. لكن الحق المرّ هو أن 'الطغاة هم جسر للغزاة'، وأن الشر الحالي (جحيم الفوضى الناجم عن الغزو) ليس إلا نتيجة مباشرة للشر الأصلي (فقد المناعة الناجم عن الاستبداد).
أما أحمدي نجاد وأوردوغان، فإن مجرد ذكرهما في سياق الزعماء الفعليين أو المحتملين لأمة العرب هو دليل على أن الزمن العربي لا يزال معطلا بفعل هزيمة 1967ـ الهزيمة التاريخية النكراء التي بددت الأمل المعقود على عبد الناصر ونقضت منطق العصر، منطق تصفية الاستعمار، فكانت الضربة القاضية التي سدّت أفق التحرر فعجلت بإنهاء القرن العشرين العربي. ومعروف أن إدراج أحمدي نجاد وأردوغان على قائمة 'أزواج' الأمة العربية المحتملين إنما مأتاه أنهما قد عبّرا، كل بطريقته، عما لم يعبر عنه أي حاكم عربي من توق الأمة العربية والإسلامية إلى وقفة عز في وجه إسرائيل. لكن لا شك أن الحالمين أو الواهمين من العرب سرعان ما أدركوا أن لكل من الزعيمين الإيراني والتركي إحداثياته الوطنية التي تحدد معقولية فعله السياسي. وهذا من طبائع الأشياء في عصر لا مكان فيه إلا للدولة القومية.
أما الإشاعة التي تناقلتها وكالات أنباء عسل الكلام في لبن السلام عن ظهور أوباما في الحلقة بعد الأخيرة من المسلسل العربي 'زهرة وأزواجها الخمسة'، فلعلها مؤامرة كاريكاتورية ترمي إلى إسقاط كامل قبيلة بني ديمقراط في الانتخابات