صلاح عيسى

والحقيقة أن معرض الكويت للكتاب، وغيره من الأنشطة الفنية والثقافية التي تجري في الكويت وتشارك فيها دور نشر أو شركات إنتاج، أو فرق فنية تنتمي إلى دول عربية وأجنبية، rlm;قد سبب للحكومة الكويتية صداعا مزمنا منذ سنوات طويلة،rlm;أخذ شكل حملات صحفية عنيفة، واستجوابات برلمانية صاخبة، rlm;يتصدرها في الحالتين صحفيون وكتاب ومثقفون من المنتمين للتيارات الإسلامية المتشددة، rlm;توجه سهامها إلى رئيس الوزراء ووزير الإعلام، rlm;لأن هذا الجناح في معرض الكتاب، rlm;أو هذا الحفل الغنائي،rlm;أو هذا الفيلم السينمائي،rlm;يعرض كتابا أو فيلما أو مسرحية أو يبث أغنيةrlm;، rlm;تنطوي على ما يعتبره مساسا بالآداب العامة، rlm;أو إشاعة لأفكار تتناقض مع تفسيرهم المتزمت للنصوص الدينية، rlm;وكان عاديا أن تنتهي هذه الحملات الصحفية والبرلمانية بسحب الكتاب أو وقف عرض الفيلم أو تعديل المسرحية، rlm;ولم يكن نادرا أن تتراكم لتنتهي باستقالة ـ أو إقالة ـ وزير الإعلامrlm;.
شيء من ذلك تعرضت له إدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب إذ أثار بعض ما عرض بها من كتب، rlm;اعتراضا واسعا من القيادات الدينية المتشددة نفسها،rlm;اتخذت شكل الحملات الصحفية والأسئلة وطلبات الإحاطة البرلمانية، rlm;تجاوزت ما تعرضه بعض دور النشر العربية والأجنبية من كتب في المعرض،rlm;إلى ما تنشره بعض قطاعات وزارة الثقافة نفسها من كتب مؤلفة أو مترجمة، rlm;وما تسمح به الرقابة على المصنفات الفنية من أفلام، وما تقدمه فرق المسرح التابعة للدولة من عروض..rlm;ووصل التحرش بما يعرضه الناشرون المصريون والعرب في أجنحة معرض القاهرة الدولي للكتاب من كتب، rlm;إلى rlm;حد دفع عدد من أصحاب الفضيلة علماء الأزهر، rlm;العاملين بإدارة البحوث والنشر، rlm;إحدى إدارات مجمع البحوث الإسلامية، rlm;إلى تجاوز حدود اختصاصاتهم، rlm;فكانوا يتجولون في أجنحة معرض القاهرة للكتاب، rlm;ويتفقدون الكتب، ويصدرون تعليمات لدور النشر بعدم العرض لعناوين معينة، rlm;مما كان مثار شكوى الناشرين، ولم يتوقف هذا التحرش إلا عندما أثار عدد من المثقفين الأمر، rlm;في اجتماع لهم مع الرئيس مبارك ـ عقد على هامش إحدى دورات المعرض ـ فاستوضح عن النصوص القانونية التي تنظم ذلك، rlm;فلما علم أن القانون المصري يحظر فرض الرقابة المسبقة على الكتب، rlm;ولا يجيز للسلطات التنفيذية مصادرة أي كتاب أو مطبوع، rlm;وأن صاحب السلطة في ذلك هو القضاء وحده، rlm;وأن سلطة مجمع البحوث الإسلامية في الرقابة على المطبوعات تقتصر فقط على مراجعة المصحف الشريف قبل طبعه، rlm;وعلى إبلاغ السلطات المعنية،rlm;في حالة طبع أو تداول مصاحف تنطوي على أخطاء في آيات القرآن الكريم، rlm;لتتخذ إجراءات عرض الأمر على rlm;القضاء، rlm;ليصدر حكما بمصادرة المطبوع، rlm;وأمر الرئيس ـ بعد هذا الإيضاح ـ بأن تلتزم كل الأطراف حدود اختصاصاتها طبقا للقوانين المعمول بهاrlm;.rlm;
وكان من الطبيعي ألا تمر مثل هذه الحملات العنيفة التي تتعرض لها إدارات معارض الكتب، rlm;في كل دورة من دون أن تترك آثارها السلبية عليهاrlm;، rlm;فهي في النهاية جزء من السلطة التنفيذية التي تحرص كل الحرص على استقرارها، وعلى إرضاء كل الأطراف، rlm;وعلى توقي ما تتعرض له من عواصف تتعلق بالمشاكل المتراكمة التي يعاني منها الشعب الذي تحكمه، rlm;من البطالة إلى حوادث الطرق، ومن نقص الخدمات إلى ارتباك المرافق، rlm;فمن المنطقي ألا تضيف إلى مصادر الصداع الكثيرة مصدرا آخر،rlm;يتعلق بالشائعات التي تتهمها بعدم الحرص على العقائد الدينية والأخلاق العامة، rlm;وهي مسألة حساسة لدى الشعوب العربية، rlm;خصوصا وقد اتسع تأثير التيارات المحافظة والمتزمتة على هذه الشعوب.rlm;
وهكذا قررت إدارات معارض الكتب العربية، rlm;أن تشتري دماغها، rlm;وأن تسد الباب الذي تأتي منه الريح، rlm;حتى تستريح، rlm;ليقودها ذلك إلى فرض الرقابة الإدارية، rlm;على ما يعرض من كتب في هذه المعارض، rlm;وأن تطلب قوائم بأسماء الكتب ومؤلفيها،rlm;لتوافق عليها مسبقاrlm;، rlm;فتوافق على بعضها، rlm;وتعترض على البعض الآخر، بالمخالفة لتقاليد وأدبيات كل معارض الكتب في العالمrlm;، rlm;التي تقضي بألا يخضع ما يعرض فيها من كتب لأي شكل من أشكال الرقابة!
وربما يكون فرض الرقابة المسبقة على الكتب والصحف والمطبوعات، rlm;ومصادرتها في المطارات والموانئ العربية، rlm;سواء كانت واردة بهدف العرض في معرض للكتاب أم للتداول في الأسواق، rlm;نوعا من العبث في زمن أصبحت فيه الكتب تنشر على شبكة الإنترنتrlm;، rlm;ومع ذلك فإن مصدر المشكلة في رأيي يكمن في ظواهر يمكن أن نتغلب عليها لو أننا عالجناها:rlm;
rlm;يرتبط المصدر الأول،rlm;بالمنطق الذي يستند إليه الذين يشنون هذا النوع من الحروب،rlm;وهو أن الحكومات هي التي تنظم معارض الكتب وتنفق عليها من أموال دافعي الضرائب،rlm;وبالتالي فإن من حقهم الاعتراض على عرض كتب تسيء إلى مشاعر ما يصفونه بأنه القطاع الأعرض من دافعي الضرائب، rlm;ولو أن هذه المعارض كانت تقام على نفقة المشاركين فيهاrlm;، rlm;لما كان هناك مناط للاعتراض، rlm;وهو منطق مقبول، rlm;يقودنا إلى حل للمشكلة بأن تنظم هذه المعارض اتحادات الناشرين أو شركات تؤسس لهذا الغرض.rlm;rlm;
*rlm;المصدر الثاني هو أن معارض الكتب العربية،rlm;تخلط بين صيغة المعرض، rlm;الذي تقتصر مهمته على عرض الكتب الحديثة، rlm;من خلال نسخة أو نسختين من كل كتاب ليتاح للقراء والموزعين التعرف عليها والتعاقد على rlm;شرائها أو استيرادهاrlm;، rlm;ووظيفة السوق،rlm;التي تباع فيها مئات من نسخ الكتب المعروضة، rlm;ولو أننا فصلنا بين الوظيفتين وقصرنا المعارض على العرض فقط دون البيع، rlm;لما كان هناك مبرر لحظر عرض أي كتاب،rlm;ولاقتصر الحظر على الكتب التي تأتي من الخارج برسم البيع في سوق ـ وليس معرضا ـ للكتاب في حدود القوانين التي تنظم ذلك في البلد الذي تقام فيه السوق.
أما المؤكد فهو أن الحرب ضد تداول الكتب،rlm;هي حرب عبثية،rlm;لأنها تنتمي إلى زمن انقضى عمره الافتراضي.