سركيس نعوم

لا يزال البعض من أهل السياسة في لبنان، وهو للمناسبة قريب جداً من فريق 14 آذار، يرفض الاعتراف بأمرين رغم ان الدلائل على صحتهما ليست قليلة على الاطلاق. الأمر الأول، هو أن ميزان القوى في البلاد لم ينقلب لمصلحة فريق 8 آذار الذي يقوده quot;حزب اللهquot; وتدعمه سوريا وايران، وإن كثر الحديث عن هذا الأمر باعتباره واقعاً جعله كذلك في اذهان الناس والمواطنين وقد أصابهم بشيء من الاحباط والقلق وربما الخوف. والدلائل على ذلك كثيرة في رأيه. منها ان الطائفة الشيعية ليست كلها مع التوجه السياسي الداخلي والاقليمي الذي تؤمن به وتروج له القوتان الشيعيتان الاساسيتان في لبنان أي quot;حزب اللهquot; وحركة quot;املquot;. فهناك قسم من ابنائها قد لا يكون كبيراً، وقد يكون اما نخبوياً في معظمه، واما جزءاً من تيارات واحزاب وانتماءات سياسية قامت القوتان المذكورتان على انقاضها بعدما ساهمت ممارساتها وكذلك التطورات الاقليمية والمحلية وابرزها الحروب منذ عام 1975، في افقادها الكثير من قواعدها. ومنها ايضاً ان التحول الجذري للزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط في اتجاه quot;حزب اللهquot; ومن خلاله في اتجاه سوريا، وتحوّله داعية لمطالب الحزب ولمواقف دمشق وخصوصاً المتعلقة بـquot;المحكمة الدوليةquot; وبأمور أخرى كثيرة، لم يرافقه تحول مماثل عند قاعدته الدرزية الكبيرة جداً بل عند غالبية الطائفة الدرزية التي اعتبرته كما والده الشهيد كمال جنبلاط الزعيم الأول لها. وقد جهر المعترضون من الدروز بمواقفهم السلبية من التحول المذكور سواء من داخل الحزب التقدمي الاشتراكي او من خارجه. ولا يبدو انهم، ورغم كل الجولات التي قام بها وليد بك لاستعادة اجماع الطائفة أو شبه اجماعها عليه بعد تحوله الانقلابي، سيغيرون مواقفهم، على الاقل في المستقبل المنظور. ومنها ثالثاً، ان في مقابل quot;البلوكquot; الشيعي الكبير صاحب الموقف quot;الانقلابيquot;، وصاحب القوة العسكرية الاكبر في البلاد أو بالأحرى الوحيدة فيها، هناك quot;بلوكquot; سنياً كبيرا جداً في مواجهته، وهو يرفض كل اطروحاته الانقلابية في رأيه، كما انه مستعد لمواجهتها بأي وسيلة يملكها. وهذه المواجهة تقلق quot;حزب اللهquot; وفريق 8 آذار لأنها تطلق حرباً مذهبية مؤذية له اسلامياً وعربياً ومحلياً ودولياً، وتفقده مبرر وجوده المسلح بل مبرر سلاحه الذي هو مقاومة اسرائيل، وليس مقاومة اخصامه او منافسيه في الداخل او المختلفين معه في العقيدة الدينية أو في المذهب الديني أو في الايديولوجيا الدينية - السياسية. ومنها رابعاً، انقسام الطائفة المسيحية فريقين: واحداً مع 14 آذار وquot;تيار المستقبلquot; الذي يقوده، وآخر مع quot;حزب اللهquot; الذي يقود فريق 8 آذار وقد لا يكون التمثيل الشعبي المسيحي متساوياً عند القسمين. لكن التطورات الكثيرة التي حصلت على الساحة الداخلية قلصت الفارق في نسبة التمثيل بينهما. ومن شأن ذلك تعطيل التأثير الفعلي لهذه الطائفة في مجريات الحوادث، ودفعها الى تلافي التورط فيها اذا تحولت عسكرية او عنفية لأنها ستكون الخاسر أياً يكن الطرف الاسلامي الرابح. في النهاية، وبموقف كهذا يخسر اكثر الفريق الشيعي الذي يعتمد على حلفائه المسيحيين أو الذي قد يضطر الى الاعتماد عليهم في مسارات معينة من الصراع العنفي، اذا نشب لا سمح الله. ومنها خامساً، الوضع الاقليمي والدولي الذي يميل quot;المهوِّلونquot; واصحاب السلاح الى تجاهله، والذي قد لا يسمح ورغم الظروف الصعبة لأطرافه بحسم يقرره السلاح، ويكون على حساب فئات بل طوائف ومذاهب داخل لبنان، ولمصلحة اخصامهم الاقليميين اصحاب مخططات السيطرة على المنطقة وفي مقدمهم ايران الاسلامية. ومن هؤلاء الاطراف تركيا quot;حزب العدالة والتنمية الاسلاميquot; الحاكم، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، واستطراداً الاردن رغم ضآلة امكاناته غير العملانية طبعاً. ومن هؤلاء المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة التي حذرت قبل ايام وعلى لسان مساعد وزيرة خارجيتها لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان، وكان في زيارة للقاهرة، سوريا من التورط في ما يخطط له quot;حزب اللهquot; في لبنان وربما بدعم من ايران. اذ قال quot;ان سوريا تعرف ان علاقتنا بها مرتبطة بمدى حرص اصدقائها في لبنان على المحافظة على الاستقرار فيهquot;. ومن الدلائل على دور ما للوضعين الاقليمي والدولي حامٍ للحد الادنى، من توازن القوى الداخلي في البلاد أو بالاحرى مانع للقوة المسلحة من فرطه بواسطة سلاحها، امتناع quot;حزب اللهquot; عن اقتحام السرايا الحكومية اثناء quot;اعتصام بيروتquot; او احتلال وسطها. وكان سبب الامتناع quot;نصحquot; ايران quot;الحزبquot; بذلك، ولكن بعد اتصال quot;حاسمquot; من تركيا الاسلامية بقيادتها، وليس اقتناعاً منه ورغم quot;التحريضquot; السوري بسلبية الاقتحام عليه وعلى البلاد، على الاقل كما يقول كبار فيه.
اما الامر الثاني الذي لا يزال البعض نفسه من اهل السياسة في لبنان، وهو قريب من فريق 14 آذار، يرفض الاعتراف به فهو اقدام quot;حزب اللهquot; على حسم الصراع الدائر في لبنان عسكرياً رغم الحديث المستمر عن ذلك والسيناريوات التي تنشرها وسائل الاعلام ويلوح بها اقطاب 8 آذار ومؤيدوهم. فهذا مجرّد تهويل لا يمكن تنفيذه. واذا جُرِّب فان الاخفاق سيكون مصير منفذيه. ولذلك فانهم لن يلجأوا الى السلاح عملياً.
وفي الانتظار تستمر المحكمة الدولية ويستمر الدعم الدولي والعربي لها وربما تستجد تطورات سواء عسكرية اقليمياً تضعف 8 آذار، أو سياسية مثل مفاوضات فتسوية بين سوريا واسرائيل، ومفاوضات فتفاهم بين ايران واميركا لا بد ان تدفع هذا الفريق الى الاعتدال.
هل النظرة المتفائلة للبعض نفسه من الجهات السياسية اللبنانية في محلها؟ ام انها مجرّد تمنيات؟