جهاد الخازن
عدت من نيويورك الى لندن في السابعة صباحاً قبل حوالى أسبوعين بعد أن حضرت دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي اليوم التالي سافرت الى الرياض ليلاً ووصلت في السادسة صباحاً، وحضرت مؤتمر تقنية الفضاء والطيران الذي نظمته مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بمشاركة إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتزامن مع ذكرى 25 سنة على انطلاق الأمير سلطان بن سلمان في الفضاء. وكان يفترض أن أعود الى لندن أياماً قبل استئناف السفر، إلا أن عملية جراحية لأخي حملتني الى بيروت، ومن هناك الى جدة لحضور اجتماع لمجلس إدارة مؤسسة الفكر العربي برئاسة الأمير خالد الفيصل، ووصلت الى لندن الأربعاء الماضي وغادرتها الخميس لمناسبة اجتماعية في اسطنبول، وعدت الى لندن أمس.
لا أشكو، فأنا أعمل باختياري، وثمة رزمة رحلات (مثل رزمة الحوافز لإيران) قبل نهاية الشهر، وعندي ملاحظات، فأبدأ من النهاية.
- في اسطنبول، وفي بهو الفندق الفخم حيث نزلت استوقفتني سيدة كويتية قالت إنها تقرأ لي، وتبادلنا حديثاً حول أصدقاء مشتركين من الكويت الى لبنان، وهي أشارت الى صديقات يرافقنها وقالت إنهن كن يعتزمن قضاء أسبوع في لبنان غير أن زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد والضجة المرافقة، مع تهديدات حزب الله للمحكمة الدولية، جعلت الصديقات الكويتيات يخترن اسطنبول. وقلت لها إنني في الفندق لحضور احتفال بمرور 30 سنة على زواج صديقين عزيزين كانا أيضاً يريدان الاحتفال في بيروت مع حوالى مئتين من الأصدقاء إلا أن الأحداث السياسية أخافتهما فاختارا اسطنبول.
مبروك لتركيا واسطنبول فنحن في تركيا بين أصدقاء، ولكن أخاطب حزب الله بمنتهى الصراحة وأقول إن سياسة الحزب مسؤولة عن laquo;تطفيشraquo; الزوار، وإرغام كثيرين من الإخوان العرب على اختيار إجازات بديلة، ما يضر لبنان في أهم موارد دخله، أي السياحة التي يعمل في قطاعها لبنانيون من طوائف البلد كافة.
لم أنقلب على حزب الله فأنا أؤيده تأييداً مطلقاً ضد إسرائيل وأعتبره حركة تحرر وطني رائدة وقائدة (كما أؤيد إيران في الحصول على سلاح نووي لمواجهة إسرائيل)، إلا أن هذا شيء والاقتصاد اللبناني شيء آخر، وأعتقد أن قيادة حزب الله قادرة، لو شاءت، على متابعة مشروعها الوطني من دون الإضرار باللبنانيين.
و laquo;سيرة وانفتحتraquo;، وعندي لحزب الله نصح آخر هو أن يسعى جاداً وجاهداً لتوسيع قاعدة أنصاره داخل لبنان فلا يقتصر التأييد على غالبية الشيعة فقط (الغالبية لا الكل لأنني أعرف شيعة لبنانيين يعارضون حزب الله).
أقول بوضوح إن حزب الله لا يستطيع وقاعدته 30 في المئة من أهل البلد (أنا منهم) أن يفرض أي سياسة على السبعين في المئة الآخرين، ولكن إذا ضمن الحزب تأييد نصف أهل البلد فهو سيكون قادراً على استعمال الوسائل الديموقراطية لتنفيذ سياسته، بدل سلوك طريق 7 أيار آخر.
هذا الموضوع يهمني الى درجة أنني طلبت من الرئيس بشار الأسد في مطلع الصيف أن يشجع حزب الله على الانفتاح على أهل البلد جميعاً، وأعرف أن الرئيس السوري يريد لحزب الله شعبية أكبر وقاعدة أوسع بين اللبنانيين.
كنت بدأت اليوم وفي نيتي أن آخذ القراء في إجازة من السياسة، إلا أن الطبع غلب التطبع، وسأبقى مع الأهم اليوم، وأعود الى القراء ببعض التسلية غداً.
وجودي مع أخي في المستشفى لم يمنعني من الذهاب الى دمشق يوماً لسماع آراء بعض المسؤولين، وبينهم الصديقة العزيزة الدكتورة بثينة شعبان، وقد نشرت بعض ما سمعت من دون نسبته لأصحابه، لأنه كان في مجالس خاصة.
الرئيس بشار الأسد والملك عبدالله بن عبدالعزيز ذهبا الى لبنان في طائرة واحدة، وأمس اجتمع العاهل السعودي مع الرئيس السوري في الرياض ما تركني أفكر في الناس الذين استقبلوا الملك والرئيس في لبنان، وكانوا على مدى سنوات خلال أزمة العلاقات السعودية - السورية، انتصروا للملك أو الرئيس وأذكوا النار بدل أن يسعوا لإخمادها.
كنت وقلة من الزملاء في أيام الأزمة نكتب محاولين التوفيق، فيما كانت الغالبية من الصحافيين والسياسيين لا تفعل سوى تسليط الأضواء على ما يفرق لا ما يجمع. ولم أنقطع يوماً خلال الأزمة عن السعودية أو سورية، ومن الجنادرية والملك عبدالله وأركان الحكم الى سورية والرئيس الأسد والمسؤولين حوله.
أرجو أن يكون في نهاية الخلاف درس لنا جميعاً، فالعربي لا يخدم انتماءه بالوقوف مع بلد عربي ضد بلد عربي آخر، وإنما بالوقوف مع البلدين وكل بلد عربي ضد العدو المشترك. وأكمل غداً من دون سياسة.
التعليقات