سركيس نعوم
قامت قيامة اسرائيل، كما يقال، ولم تقعد عندما علمت ان الجمهورية الاسلامية الايرانية بدأت العمل فعلاً كي تصبح دولة نووية وأطلعت لاحقاً على التطور الكبير الذي حققته على هذا الصعيد. ولقيامة اسرائيل سبب رئيسي بل وحيد هو حرصها على وجودها الآمن في المنطقة ومواصلة تنفيذ خططها التوسعية في ما تبقى من الأراضي الفلسطينية واستمرار احتلالها أراضي في سوريا ولبنان وتمسكها بسياسة التفوّق العسكري والتكنولوجي على محيطها العربي والهيمنة وبواسطته على مقدرات هذا المحيط مرة بالاغراءات المالية والاستثمارات ومرة بإثارة النعرات الطائفية والمذهبية ودائماً بالاستعانة بالمجتمع الدولي الداعم لها وفي مقدمه الولايات المتحدة. أما لماذا تشكل الجمهورية الاسلامية المذكورة خطراً على اسرائيل؟ فلأسباب كثيرة، منها انتهاجها سياسة العداء المطلق للدولة العبرية من منطلق حقوقي وديني وقومي. ومنها ترجمة عدائها هذا بتحولها جزءا من الجبهة العربية ndash; الاسلامية العسكرية والسياسية بازاء اسرائيل. وقد نجحت في ذلك بتفاهمها مع سوريا حافظ الأسد ثم بتحالفها معها استراتيجياً. ونجحت فيه ايضاً بتأسيسها quot;حزب اللهquot; في لبنان وبتقديم كل ما يحتاج اليه من مال وسلاح وتدريب، وبدعم quot;الجهاد الاسلاميquot; ثم حركة quot;حماسquot; في فلسطين. ذلك ان الأول حقق انجازات مهمة ضد اسرائيل عام 2000 وعام 2006. في حين ان quot;حماسquot; اثبتت نفسها فلسطينياً واقتطعت لها قسماً من الجبهة الفلسطينية مع اسرائيل صار وإن على نحو غير مباشر ايرانياً. ومن الأسباب ايضاً تحوّل ايران الاسلامية دولة مصنعة لأنواع عدة من السلاح وبعضها غير تقليدي ويشكل خطراً على اسرائيل واميركا واوروبا وحلفائها وخصوصا في الخليج العربي. انطلاقاً من ذلك كله حاولت اسرائيل القضاء على الخطر الايراني. أولاً، بتحريض الولايات المتحدة على ايران لتوجيه ضربة عسكرية الى منشآتها النووية، فضلاً عن بناها التحتية المدنية والامنية والعسكرية والاقتصادية. وذلك لا يزال مستمراً، لكنه لم ينجح مع ادارة بوش الابن. ولم ينجح ايضاً مع ادارة اوباما الحالية. وثانياً، بالتهديد بقيامها هي (اي اسرائيل) بتوجيه ضربة عسكرية الى ايران تقضي على خطرها النووي كما على خطر السلاح غير التقليدي المصوّب عليها. وقد قامت بالاستعدادات والتدريبات اللازمة لذلك. لكنها لم تقم بهذه الخطوة رغم استمرارها في التهويل بها. أولاً، لأنها ادركت ان النجاح ليس سهلاً اذا نفَّذت الضربة بمفردها من دون ضوء أخضر دولي. وثانياً، لأنها أُبْلِغَت من الاميركيين عدم الموافقة على معالجة الخطر النووي الايراني عسكرياً والتحذير من عواقبها والتأكيد ان ذلك أمر لا تقبله اميركا ولن تتساهل فيه.
هل اقتنعت اسرائيل بكل الحجج والأسباب المفصلة أعلاه وتخلت عن مشروع ضرب البنية التحتية النووية الايرانية؟ وقبل ذلك هل تخلَّت اسرائيل عن اعتبار ايران الاسلامية خطراً وجودياً عليها؟
إعلامها الرسمي والسياسي لا يوحي بذلك. على العكس فإن ما يوحيه هو عدم الاقتناع بأن العقوبات الاضافية على ايران ستحسم مشكلتها النووية مع العالم وهو أيضا دعوة المجتمع الدولي الى جعل هذه العقوبات شديدة وفاعلة بحيث تؤمن الردع المطلوب لإيران. وما توحيه اخيراً هو أن المجتمع الدولي لا بد ان يقتنع بأن لا بديل من الخيار العسكري مع ايران سواء من دون اسرائيل أو بالتعاون معها.
إلا أن المعلومات التي وردت أخيراً من القدس وواشنطن وعواصم دولية اخرى على مصادر ديبلوماسية غربية واسعة الاطلاع تشير الى جوابين عن السؤالين المطروحين أعلاه مختلفين عمّا يعكسه اعلام اسرائيل الرسمي والسياسي. فخطر ايران النووي على اسرائيل لا يزال قائماً لكنه ليس وجودياً. ذلك انها دولة نووية ومنذ عقود. وتملك عشرات بل مئات القنابل الذرية. وهي لا تزال تطور ترسانتها النووية وسائر الترسانات غير التقليدية. في حين ان ايران لا تزال في البداية وليس هناك ما يشير الى ان نجاحها في هذا المشروع سريع. اما خطره الأكبر فهو على دول الخليج العربية، ولذلك فإن عليها ان تعالجه منفردة أو مع حليفتها اميركا. وخطره ايضاً على تركيا ومن واجبها معالجته. وكذلك على اميركا ودول اوروبية ومن واجبها معالجته. أما باكستان والصين والهند وكلها نووية فإن نجاح ايران في التحول دولة نووية يحقق توازناً مع هذه الدول وذلك هدف استراتيجي أول.
ما هو الخطر الفعلي الذي يهدد اسرائيل الآن في رأيها؟
الخطر هو استناداً الى المصادر الديبلوماسية الغربية الواسعة الاطلاع نفسها هو quot;حزب اللهquot; الذي أذلَّها عامي 2000 و2006 والذي بات يملك ترسانة عسكرية متنوعة قادرة على ايذاء شعبها فعلاً وعلى تخريب مرافقها المدنية والعسكرية في كل أنحاء البلاد. وهو ما تحاول ازالته بوسائل عدة ابرزها اثنتان كما اوردنا في quot;الموقفquot; قبل اسابيع: أولاهما، الحرب العسكرية المباشرة عليه وعلى لبنان. وثانيتهما، الحرب الاهلية في لبنان التي أينعت بذورها وربما حان قطافها.
من يَصْدُق إعلام اسرائيل ومواقف قادتها أم معلومات المصادر المشار اليها؟
لا أحد يملك جواباً جازماً عن ذلك. لكننا نلفت الى ان هذه المصادر لم تخطئ كثيراً في السابق، والى ان خطر الحرب المباشرة المذكور أعلاه يقترب.
التعليقات