بلال الحسن
كان يفترض، نظريا، أن تسود فرحة شعبية عند الإعلان عن بدء قيام حوار للمصالحة بين حركتي فتح وحماس. ولكن اللافت للنظر تلك اللامبالاة الشعبية التي قوبل بها النبأ!
وبالطبع، فإن أحدا لا يستطيع القول بأن الوسط الشعبي الفلسطيني لا يبدي اكتراثا بحديث الوحدة الوطنية، أو بحديث التفاهم بين أطراف متخاصمة. إلا أن الإعلان عن العودة للحوار جاء في ظل تطورات سياسية، هي التي أضفت جو اللامبالاة على الحدث، أو جو laquo;عدم السرورraquo; للعودة إلى جو المصالحة. فقد كان هناك إعلان من قبل المفاوض الفلسطيني مع حكومة نتنياهو أن هذه المفاوضات متعطلة، ومتعطلة بالتحديد عند نقطة الاستيطان الذي انتهى وقت تجميده، وعاد ليتجدد بوتيرة أسرع. ثم كانت هناك مواقف أعلنها المفاوض الفلسطيني هنا وهناك، ولدت حالة من الغضب الشعبي الفلسطيني الشديد، أبرزها ذلك الموقف الذي لمح إلى إمكانية الاعتراف بمطلب laquo;يهودية الدولةraquo; كما يشترط نتنياهو. وأبرزها أيضا ذلك التصريح الغريب الذي جاء فيه أنه إذا نجحت المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، فإن المفاوض الفلسطيني سيعلن التخلي عن المطالب التاريخية للشعب الفلسطيني. لقد أوجدت هذه التصريحات حالة من الصدمة في الوسط الشعبي الفلسطيني، ولذلك، حين جاء نبأ مفاوضات المصالحة، برزت تساؤلات قلقة، ماذا عن هذه التصريحات؟ هل هي جزء من التفاوض؟ وإذا لم تكن جزءا من التفاوض، فهل يمكن قيام مصالحة من دون البحث فيها، وتحديد موقف منها، وإعلان رفضها، وحتى التخلي عنها؟
وحين صدر البيان المتفائل بعد جولة مفاوضات المصالحة الأولى بين الطرفين، كان طبيعيا، وبسبب هذا المناخ الشعبي، ألا يكون هناك تفاؤل شعبي يترافق مع تفاؤل البيان.
ليس المقصود من هذه الإشارة مجرد تسجيل للمناخ السائد، إذ إن هذه المسائل، وهي سياسية في جوهرها، تبرز أن المصالحة بين حركتي فتح وحماس لا بد أن تكون laquo;مصالحة سياسيةraquo; إذا جاز التعبير. وحين تكون المصالحة سياسية، وحين يسندها موقف سياسي موحد، فإن الاحتضان الشعبي لها سيكون كبيرا ومساندا ومتفاعلا. أما الجمع بين الطرفين، وعلى قاعدة موقفين سياسيين متناقضين، فإنه سيوحي للجميع فورا بعدم الجدية، إن لم نقل إنه سيثير مخاوف لدى الكثيرين.
حين تتم تنحية الاتفاق السياسي، أو وضعه جانبا، فإن الحوار المتفائل يعني هنا شيئا واحدا فقط، هو التفاهم الإجرائي، وقد كانت هذه هي نقطة الضعف في ورقة المصالحة المصرية، وأدت مع نقاط تفصيلية أخرى، إلى عدم إقدام حماس على التوقيع عليها. ويحدث كل هذا، من دون أن يبرز في الأفق، احتمال التفاهم بين الطرفين حول منهج سياسي واحد، هو أصلا منبع الخلاف والخصام.
وثمة نقطة أخرى مهمة للغاية.. لقد توقفت محادثات الجولة الأولى بين فتح وحماس عند نقطة الوضع الأمني، وسيكون الوضع الأمني هو القضية الأساسية في محادثات الجولة الثانية. والسؤال هنا: ماذا يعني الوضع الأمني؟ ثمة مفهومان هنا للوضع الأمني:
المفهوم الأول: ما ورد حول المسألة في ورقة المصالحة المصرية، عن تشكيل لجنة أمنية مشتركة تشرف عليها الرئاسة الفلسطينية. وقد أدت هذه الصيغة التي تعطي لفريق السيطرة الأمنية ضد فريق آخر، إلى بروز خلاف، أدى مع قضايا أخرى من النوع نفسه، إلى استنكاف حماس عن التوقيع على ورقة المصالحة، ويمكن الآن باتفاق ثنائي بين فتح وحماس، أن يقال بأن قرارات اللجنة الأمنية هذه ستتم بالتوافق بين الطرفين، ويرضى بذلك الطرفان، ويعتبر اتفاقهما حلا لإشكال البند في ورقة المصالحة المصرية، من دون أن يتطرق إلى تعديله. ولكن هذا يحل مشكلة اللجنة الأمنية، ولا يتطرق إلى السياسة الأمنية.
وهنا يأتي المفهوم الثاني، فالسياسة الأمنية في وضع عادي تعني ألا يسيطر فريق على فريق، ولكن السياسة الأمنية في الوضع الفلسطيني الراهن تطورت وتبدلت وتغيرت، وأصبحت خطيرة للغاية، وأصبحت جزءا من السياسة التي لا بد من الاتفاق عليها أولا، وإلا فشل كل شيء مهما كان شكل الاتفاق، بل ومهما أحطناه بتفاؤل حقيقي أو زائف.
الأمن الفلسطيني الآن، وفي السلطة التي يرأسها محمود عباس وسلام فياض، يقوم على الأسس التالية:
أولا: وجود جنرال أميركي، مهمته وضع خطة للتنسيق الاستراتيجي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مع وضع تصور استراتيجي إسرائيلي - عربي.
ثانيا: تشكيل فرق أمنية فلسطينية جديدة، من نوع جديد من الشباب الفلسطيني الصغير في السن، الذي لم يعش في مناخ حركة المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي. ويتم إرسال هؤلاء الشباب إلى دورات أمنية تمارس عليهم عملية غسل دماغ، عن النظام، والقضاء على الفوضى، وفرض القانون، وطاعة الأوامر. وتعرض قوائم هؤلاء الشباب على المخابرات الإسرائيلية، حيث تخضع عملية الاختيار النهائي إلى مقاييس، منها: ألا يكون الشاب قد اعتقل سابقا، ألا يكون له قريب استشهد أو جرح أو اعتقل، وذلك لضمان ألا يكون متأثرا بأجواء وطنية نابعة من بيئته.
ثالثا: يتم تزويد هؤلاء الشباب بشعار وطني يريح ضمائرهم، فيقال لهم إن الانتفاضة الفلسطينية قد خلقت الفوضى، وعطلت تطبيق القانون، وأنتجت أشخاصا يسيئون للناس ويبتزونهم، ولذلك فإن الانتفاضة الفلسطينية عرقلت تجربة بناء دولة فلسطينية. أما أنتم فستتولون فرض النظام، وستوفرون الأمن للجميع، وستقضون على laquo;زعرانraquo; الانتفاضة، وتساهمون بذلك في بناء الدولة الفلسطينية.
رابعا: تم تتويج هذه السياسة الأمنية بقرار سياسي، يتم إعلانه مرارا وتكرارا على مستوى الرئاسة الفلسطينية، يعلن أن السلطة تعتمد منهج المفاوضات فقط، وهي ضد العنف، وضد العمل الفدائي. ويعلن أيضا أن الانتفاضة كانت شرا على الشعب الفلسطيني، لأنها جلبت عنفا إسرائيليا دمر المؤسسات وأدى إلى قتل الناس واعتقالهم.
خامسا: نتج عن ذلك تعاون أمني فلسطيني - إسرائيلي واسع، وتبادل يومي للمعلومات عن الفدائيين من أجل اعتقالهم وتفكيك تنظيماتهم، وشمل ذلك الجميع، بداية ضد حركة فتح، واستكمالا ضد حركة حماس والفصائل الأخرى الممارسة للمقاومة.
هذه السياسة الأمنية ليست أمنية إلا بالاسم، أما في الجوهر فهي استراتيجية سياسية متكاملة، ولا يمكن معالجتها إلا بمنهج سياسي متكامل، لا يبدو أن له وجودا في المحادثات الجارية بين فتح وحماس، فهل يمكن أن تنجح المحادثات في ظل هذا الوضع؟
البعض يقول متذاكيا: هذه محادثات للتفاهم بين فتح وحماس، أما قضية الأمن فهي تخص السلطة الفلسطينية. وهذا نكتة سمجة لا تضحك أحدا!
التعليقات