ظافر محمد العجمي

عندما تتجرأ مبادرة على تحدي الحواجز الذهنية لمن اعتاد الوصاية في التفكير، فإن رده العَجول يكون الرفض، من جانب آخر فقد تعجل إخواننا في المملكة العربية السعودية الشقيقة أيضا بدعوة الكتل السياسية العراقية للحضور إلى الرياض وحلِّ الخلاف على تشكيل الحكومة، فالقِدر العراقية التي اسودت جوانبها من لهيب نار التفجيرات طوال ثماني سنوات كان آخرها صاروخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء قبل ثلاثة أيام لا زالت بعيدة عن إنضاج ما بداخلها.
لقد وقعت المبادرة السعودية على الأذن العراقية كأنها عزف على وتر مشدود لم تعتده الأذن المشوشة بمواويل من أوتار التردد المرتخية، بدليل إسهاب الكتل السياسية العراقية في تعداد عيوب مبادرة خادم الحرمين الشريفين والتي شملت:
1. أن المبادرة جاءت متأخرة في وصف كتلة رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي.
2. لا أولوية لها مقارنة بالمبادرة الوطنية لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني في وصف المجلس الأعلى الإسلامي الذي يتزعمه عمار الحكيم.
3. تلبية دعوة العاهل السعودي ستؤخر تشكيل الحكومة العراقية.
4. المبادرة ستزيد المشهد السياسي تعقيداً.
5. أزمة تشكيل الحكومة هي مشكلة عراقية، وعليه لا يحبذون التدخُّل الدولي أو الإقليمي في الشأن العراقي.
6. السعودية غير محايدة ولم تسقط ديونها عن العراق.
لقد كان وضوح المبادرة بوضوح كلمات خادم الحرمين الشريفين في بيانٍ نقلته وكالات الأنباء حين قال: laquo;أدعو فخامة الأخ الرئيس جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق الشقيق، وجميعَ الأحزاب التي شاركت في الانتخابات والفعاليات السياسية إلى وطنكم الثاني المملكة العربية السعودية وفي مدينة الرياض بعد موسم الحج المبارك، وتحت مظلة الجامعة العربية، للسعي إلى حلٍّ لكل معضلة تواجه تشكيل الحكومة التي طال الأخذ والردّ فيهاraquo;. وباستثناء القائمة العراقية بقيادة د.إياد علاوي، رفضت جهات عراقية عدة المبادرة السعودية لكونها مبادرة واضحة للحفاظ على هوية العراق العربية، فهي لم تحمل أية شروط مسبقة إلا شرط عروبتها بعقدها في قلب جزيرة العرب، ولذلك ظهرت الأطراف الرافضة لها وهي ترتدي في ردحها الأزياء التي تمثل القوميات الكردية والفارسية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك وهو التشكيك في عروبة المبادرة ونفخ النار في الخلافات بين دول الخليج وأمانة جامعة الدول العربية بناء على تبعات مؤتمر سرت البائسة قبل أسبوعين، ففي الصيغة الأولى للبيان الرافض للمبادرة من قبل كتلة المالكي، كانت هناك عبارة وقحة لتكذيب السعودية تقول: laquo;اتصلنا بالسيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية فنفى علمه بمثل هذه الدعوة أو مثل هذا المؤتمر!raquo; وقد كذّب عمرو موسى ذلك وثمّن الجهود السعودية التي وصفها laquo;بدعوة خير تستهدف توحيد الصفraquo;.
كما كان من أسوأ ما قيل حيال هذه المبادرة إمكانية قبولها من معظم الأطراف إذا حظيت بالدعم الأميركي، رغم أن المبادرة مدعومة من كافة دول الخليج العربي التي تتحمل بشكل مباشر تبعات الوضع في العراق في الجانب الأمني وفي تبعات ما يسمى بمؤتمر دول الجوار السياسية والمالية، كما أشارت أطراف أخرى إلى أنها تمت بتنسيق بين العاهل السعودي والرئيس السوري بشار الأسد، كما جاء في حديث الأمير سعود الفيصل.
وفي 13 أبريل 1974م اشتعلت شرارة الحرب اللبنانية الأولى بمقتل 24 راكبا في laquo;باص عين الرمانةraquo; في بيروت الشرقية، وانتشرت بعدها آلاف الأشلاء في الشوارع، واستمر غليان القِدر اللبنانية على نار هادئة حتى نضجت بعد 15 عاما في مؤتمر عقدته الأطراف اللبنانية المتناحرة عام 1989م، وأثمر اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية.
فهل تعجلت السعودية بدعوة الفرقاء العراقيين لمؤتمر الرياض بعد عيد الأضحى؛ لأن الطبخة العراقية لا زالت تحتاج إلى سبع سنوات عجاف أخرى حتى تنضج مثل اللبنانية؟