يوسف الكويليت

لم نتعامل مع الوثائق التي نُشرت عنا بما يفرض قراءة دور الدول الأخرى تجاهنا، وعلاقاتها غير السوية التي بنيت على مصالح استراتيجية جعلتنا هدفاً للاحتلال والحروب، وتدمير بُنانا المختلفة، وقد سبق لبريطانيا صاحبة الأدوار المتعددة في محورنا العربي القديم والحديث أن أفرجت عن أطنان من الوثائق تتعلق بأحوالنا السياسية والأمنية والاقتصادية، دون أن تنعقد لتلك الوثائق مراكز بحثٍ ودراسات تلقي على تلك المراحل التحليل الحقيقي لأدوار الدولة العظمى آنذاك، كذلك الأمر بدول أخرى كان لها احتكاك بالمنطقة وكتبتْ وأرّخت وأدت أعمالاً تناقض أهدافنا، ولم نُعرها الاهتمام الذي يليق بدول تعرضت للاستعمار والامتهان والتدمير الذاتي..

موقع laquo;ويكيليكسraquo; نشر أخطر المعلومات عن غزو العراق، وأحدث رجّة في دوائر الاستخبارات والمباحث الأمريكية، وجاء التفسير من تيارات سياسية، وثقافية، وعناصر تصنع القرارات العربية أن التسريب جاء بمعرفة الدوائر الأمريكية، وأنه جزء من حرب استخباراتية، بينما التهديدات والاتهامات والملاحقات إلى حد تصفية الناشرين جاءت من الدولة الموصوفة بالاتهام، والآن يستعد الموقع لنشر وثائق أخرى تطاول دولاً عديدة حليفة لأمريكا وعلى خلاف معها، وهي فضائح لا يمكن الإفصاح عنها، وقد لا تكون المبالاة بحجم المعلومات الخطيرة، والدليل أن أمريكا الموضوعة في قلب الحدث، هي التي سارعت لكل الدول تحاول أن تدافع عن نفسها، بحيث لا تتضرر علاقاتها معها، وهذا دليل على صدق المعلومات لا تسريبها بداعي الحرب النفسية، أو طرح إنذارات كمقدمات لإملاءات قرارات، وفرض شروط على تلك الدول المعنية بالوثائق..

نعرف أن الدول العربية ستتلقى الوثائق، إما باعتبارها غير صحيحة، أو أنها اتهامات فقط وأدوار قامت بها دول تريد وضع مصالحها فوق الصداقات، لكن دولاً مثل إسرائيل وإيران وتركيا، وهي التي تحيط بنا وتتداخل معنا في الجغرافيا، قد لا تنظر إلى هذه المعلومات بمثل رؤيتنا، بل ستبحث وتدقق وتطرح أبعاد المؤثرات على واقعها الداخلي والخارجي، وحتى ما يعتبر خارج مسؤولياتها فإنها تجد في أي معلومة عن المنطقة وغيرها كنزاً من المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بسهولة، وعليها يمكن أن تنبني سياسات وإدانات للطرف الآخر، لأن سلاح المعلومة، يعد في دوائر الدول المتقدمة جزءاً من حروب خلفية، بل وكشفَ حقائق لأدوار تقوم بها دول عظمى سواء مع دول تساويها في الأهمية، أو دول تحت مظلتها ونفوذها، وفي العموم، فإن موقع laquo;ويكيليكسraquo; أصبح أخطر ما يثير وثائق حديثة لم يمرّ عليها ولو عقد واحد من الزمن، وهو ما لا تبيحه المراكز السرية التي تعتبر أي فضح للمعلومات السرية يؤثر في أمنها القومي، وعلاقاتها الدولية، لكن العاملين في النشر وضعوا أنفسهم أمام مشروع إنساني، أي أن الحروب الخفية لا تقل بشاعة عن الحروب المعلنة، وهي جرأة قلّ أن نجد لها مثيلاً في التاريخ البشري الحديث..