خالد السرجاني


أكثر من مرة يعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أن عودة علاقات بلاده بإسرائيل مرهونة باعتذار الأخيرة عن أحداث قافلة الحرية التي راح ضحيتها 9 من الأتراك، وفي الوقت الذي تؤكد فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية أن اتصالات تجري بين الجانبين تتركز حول صيغة الاعتذار الإسرائيلي عن أحداث الأسطول.

فقد نقلت صحيفة إسرائيلية عن مصدر مطلع على تفاصيل الاتصالات أنه( يتم البحث في صيغة توضح أنه خلال عملية السيطرة على الأسطول، لم تعمل إسرائيل بصورة متعمدة لقتل النشطاء الأتراك التسعة).

والتقى مساعد وزير الخارجية التركي فريدن سينيرليوغلو ومندوب إسرائيل في لجنة التحقيق في أحداث الأسطول، مطلع الأسبوع الحالي حول هذا الأمر، بينما أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، عن معارضته الشديدة لمصالحة مع تركيا تعتذر فيها تل أبيب عن الأحداث التي رافقت أسطول الحرية وتدفع تعويضات لعائلات النشطاء القتلى، ولوح بالانسحاب من التحالف الحكومي.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن ليبرمان وجه انتقادات شديدة لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، على خلفية الاتصالات التي يجريها مع تركيا لإعادة العلاقات بين الدولتين، وقال مقربون منه إن الاعتذار لتركيا هو خضوع للإرهاب. وأفادت صحف إسرائيلية أن نتانياهو أطلع ليبرمان على الاتصالات مع تركيا، وأن وزير الخارجية تحفظ عليها في محادثات مغلقة جرت خلال الأيام الماضية، لكن الانتقادات أصبحت علنية الآن، بما يمكن أن يجهض المحادثات من الأساس.

والحقيقة أن كلا الطرفين التركي والإسرائيلي له مصلحة في إعادة العلاقات الى حالتها الطبيعية، حتى وان بدا الأمر غير ذلك. فمن جهة تعاني إسرائيل من عزلة إقليمية منذ مجيء حكومة اليمين العنصرية الى الحكم، وأكثر معبر عن هذا الوضع هو ليبرمان وزير الخارجية، وكانت تركيا لأسباب متعددة إحدى الدول الإقليمية التي تجمعها علاقات شبه طيبة بإسرائيل، حتى جاءت أحداث قافلة الحرية لتجعل العزلة الإقليمية حولها كاملة.

أما تركيا فهناك سببان يدفعانها لان تسعى لإعادة علاقاتها بإسرائيل، الأول يتعلق بالدور الاقليمي، حيث أن سعي تركيا لان تكون قوة عظمى إقليمية، يتطلب منها أن تكون علاقاتها جيدة بكل دول المنطقة، وان تعترف لها الدول ولو ضمنيا بهذا الأمر، وإسرائيل واحدة من الدول المطلوب منها الاعتراف بالدور التركي.

كذلك فان واحدة من المهام المطلوبة من قوة عظمى إقليمية، هو ان تتوسط بين الدول المحيطة بها عند وجود أزمات، وهو المطلوب من تركيا في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما كانت تسعى للقيام به في وجود حكومة حزب كاديما السابق على تصدر اليمين الإسرائيلي العنصري للمشهد السياسي بقيادة حزب ليكود، وبالتالي فان عودة العلاقات بما يحفظ ماء وجه تركيا، يمكن أن يدفعها الى استئناف هذا الدور مستقبلا.

أما السبب الثاني فيتعلق بان بعض القوى النافذة في تركيا، يعتقد أن إسرائيل يمكن أن تقوم بدور في ما يتعلق بانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، وبعض التفسيرات التركية يعتبر أن وجود علاقات جيدة بين تركيا وجيرانها يمكن أن يساهم في تحقيق هذا الأمر، أو على الأقل أن يسرع به، خاصة وان تركيا تريد إقناع الاتحاد الاوروبي بأنها يمكن أن تكون جسر تواصل بين أوروبا والعالمين العربي الاسلامي والشرق اوسطي.

وبالتالي فان قيامها بما هو مرتبط بالسبب الأول في إعادة علاقاتها بإسرائيل، لا بد وان يساهم في تحقيق السبب الثاني الخاص بحلمها الاوروبي. وإذا كانت الحكومة التركية نفسها غير مقتنعة بهذا الأمر أو لا تضع له أهمية كبرى مثلما يضعها بعض عناصر النخبة التركية، فان الحكومة لا تريد ان يتهمها احد بإضاعة الفرصة في حال رفض الاتحاد الاوروبي لانضمامها، ويحملون سياستها في مواجهة إسرائيل تبعات هذا الأمر كاملا، وبالتالي فهي لا تريد توظيف هذا الأمر في السجال الداخلي، خاصة وهي على اعتاب انتخابات تشريعية ساخنة.

ويبدو من سياق الأحداث المتعلقة بإعادة العلاقات الإسرائيلية التركية إلى حالتها السابقة، أن الجانب التركي هو الأكثر تشددا، ولذلك أسبابه، وفي مقدمتها أن تركيا تدرك أن إسرائيل هي الأكثر احتياجا لإعادة العلاقات، وان موقفها ضعيف في مواجهة الرأي العام العالمي بسبب تقارير لجان التحقيق حول ملابسات أحداث سفينة الحرية، كما أن الحكومة التركية تعطي أهمية كبرى لموقف الرأي العام العربي والاسلامي منها، لان ذلك يساعدها في الدور المركزي الذي تريد أن تقوم به في تفاعلات المنطقة.

أما موقف وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان فيعبر عن تيار إسرائيلي لا يضع أي اعتبار لما يطلق عليه المجتمع الدولي، وهذا التيار اليميني المتنامي مسؤول عن عزلة إسرائيل، لكنه يجد في العالم من يساعده بسبب قوة اللوبيات الإسرائيلية ومعظمها متحالف مع اليمين الإسرائيلي. وبالتالي فان عودة علاقات تركيا مع إسرائيل إلى وضعها السابق، مرهونة بازاحه هذا اليمين المتطرف عن الحكم، وإذا لم يحدث ذلك فان العلاقات ستظل فاترة كما هي الآن، حتى ولو تم التوصل الى صيغة مرضية بشأن الاعتذار الإسرائيلي.