سعد بن طفلة العجمي
الظيار أو التظيير عند البدو أصله من quot;ظأرquot;، وهو خداع الناقة لإجبارها على إرضاع غير ولدها، فيؤتى بوليد آخر يوضع عليه جلد ابنها الذي مات ذبحاً أو مرضاً كي تدر الحليب ولا يتوقف بموته. فيقال quot;مظيّرة على غير ولدهاquot;، والمثل كناية عمن يجبر على أمر لا يرغب فيه.
هكذا هو الحال مع الكتل البرلمانية العراقية، وبالذات كتلة quot;المجلس الإسلامي الأعلىquot; بزعامة عمار الحكيم، والقائمة quot;العراقيةquot; بزعامة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي. quot;المجلس الأعلىquot; كان قد أعلن أنه لن يقبل بعودة المالكي رئيساً للوزراء، وكذلك أعلنت القائمة quot;العراقيةquot; أنها الرابح الأكبر بين الكتل البرلمانية وبالتالي فإن الدستور يمنحها حق تشكيل الحكومة ولن تقبل بغير مرشحها رئيساً للوزراء. لكن الرفض القاطع للمالكي بالتخلي عن رئاسة الوزراء، والتوافق الإيراني الأميركي والمساندة الكردية، فرضت عودة المالكي رئيساً للوزراء.
التشكيلة الوزارية العراقية التي أقرها البرلمان العراقي على عجل بعد انتظار دام عشرة أشهر وولادة متعسرة -كما أسماها الدكتور علاوي، جاءت ناقصة، ونقصها هو مكمن ضعفها، فالنقص لم يكن في وزارة خدماتية عادية، بل جاء في أهم الوزارات: الداخلية والدفاع والأمن الوطني. الوزارات المهمة هذه تأخرت بسبب عدم وصول quot;السير الذاتيةquot; -CV لمرشحي الكتل- مثلما برر السيد رئيس الوزراء! لكن الأكيد أنه لم يتم التوافق عليها بين الكتل فآثرت تأجيل تسميتها لمسابقة الوقت قبل انتهاء مدة التشكيل التي لم يبق منها سوى يومين قبل إعلان التشكيلة، والتأخر عن المدة الدستورية يعني أن يرشح الرئيس طالباني رئيس وزراء آخر لتشكيل الحكومة.
يتمنى الواحد أن يكون أكثر تفاؤلا بمستقبل التشكيلة الوزارية العراقية التي أعلنت الثلاثاء الماضي، ولكن واقع التشكيلة وتأخرها وتركيبتها لا تدعو للتفاؤل. فالتشكيلة قد وافق عليها البرلمان بإجماع، وهذا ليس بالضرورة مؤشراً على قوتها قدر ما هو مؤشر على توافقيتها، وهذا التوافق لحظي: قائمة المالكي تريد تشكيل الحكومة بأي ثمن، وقائمة علاوي تريد وزارات معينة ورفع الاجتثاث عن أهم نوابها -صالح المطلق وظافر العاني، وهو ما تم. أما quot;المجلس الأعلىquot; فيصدق فيه المثل: quot;إذا أكلوا زادك، فرحّبquot;. أي أنهم مكره أخاك لا بطل، فرضوا ببعض الوزارات، وينتظرون تعزيز مواقعهم استعداداً للمستقبل، وانتظاراً لتبدل مواقف الآخرين. وحدهم الأكراد كمثل quot;الضرس العلوي: يطحن ولا يطحن عليهquot;، لم يعد يهمهم من يأتي من العرب كرئيس للوزراء ببغداد ما دامت أمور quot;دولتهمquot; بكردستان تسير على قدم وساق وتهريب.
قراءة في التشكيلة الوزارية العراقية لمتابعي المشهد توحي بأن تفكك هذه التشكيلة قد يكون أقرب من المتوقع، ولعل السيناريو الأقرب، وربما حتى الأفضل للديمقراطية العراقية أن تخرج القائمة quot;العراقيةquot; من التشكيلة وتكون في صف المعارضة، فالديمقراطية تكون أرقى وأقوى بوجود معارضة وليس العكس، فقط نحن العرب نرفض المعارضة، فإما أن نزجها في السجون، وإما أن نحاول احتواءها بحكومة عريضة واسعة الثوب وفضفاضة، وفي كلتا الحالتين النتيجة واحدة: لا نقبل بوجود المعارضة. والمشهد اللبناني دليل آخر على quot;ظيارquot; السياسة: توافقية وحكومة وطنية ولكن الثلث فيها يعطّل الثلثين: ديمقراطية عربية فريدة!! quot;حزب اللهquot; يشارك في الحكومة، لكنه يحتفظ بسلاحه ويشن الحرب دون مشاورة الحكومة، ويهدد بتقويضها لو اتهمته المحكمة الدولية باغتيال الحريري!! وتبقى الحكومة اللبنانية دون مجلس وزراء لأن الثلث يريد فرض أجندة اجتماعاته رغماً عن إرادة الثلثين؟ تذكرت مظفر النواب: quot;امتعضت روحك، كنت كمن يجبر أن يأكل فأراًquot;.
للإنسان وبيئته علاقة ظاهرة وباطنة، ترى! هل quot;للظيارquot; علاقة بتشكيل حكوماتنا العربية، وديمقراطيتنا الفريدة؟










التعليقات