محسن علي السهيمي


تتنازع الشعوبَ الإسلامية والعربية دعوتان ، الأولى تدعو إلى الوحدة الإسلامية (الأممية) ، حيث ترى ضرورة أن يكون العالم الإسلامي دولة واحدة تحت راية واحدة في ظل خليفة واحد ، والأخرى ترى أن الوحدة العربية (القومية) أمر ممكن تحقيقه بحيث تزاح الحدود الفاصلة بين الدول العربية لتنصهر في دولة واحدة، وبمنطق أحد الزعماء القوميين فهذه الحدود ما هي إلا (براميل) من السهولة بمكان أن تُزاح لتتم الوحدة العربية ! وباستقراء الماضي نجد أن الوحدة الإسلامية قد تحققت في أزمنة متتالية كدولتي الأمويين والعباسيين ، في حين يشهد التاريخ أن تحالفات عربية قامت ولم يكتب لها الاستمرار ومثال ذلك الجمهورية العربية المتحدة عام 1958م التي لم يتعد عمرها ثلاث سنوات . لكن ، هل قيام الوحدة الإسلامية في فترة زمنية ماضية مدعاة للمطالبة بقيامها في هذا العصر؟ هذا الذي لا أراه متحققًا في ظل عالم اليوم الذي التفتتْ فيه كل دولة لشؤونها الداخلية وانشغلت برعاياها ولم تعد الوحدة الإسلامية تشكل نسبة تذكر في اهتماماتها ، لذا فالداعون للخلافة الإسلامية أتعبوا دولهم وأنفسهم بما لا يمكن تحقيقه في عالم اليوم . أما الداعون للوحدة العربية فقد استمدوا مشروعهم من الفكر القومي الأوروبي حيث تبلور في شكل (جماعات أدبية) بعض رموزها من المسيحيين حيث تبنَّت هذه الجماعات الدعوة (للقومية العربية) وكان من أجندة هذه الجماعات أن الرابط بين الشعوب العربية هو (اللسان والدم) بغض النظر عن المعتقد الذي يمثله الإسلام وتدين به غالبية الشعوب العربية ، والأعجب أن القوميين حينما يرجعون لحضاراتهم الماضية يتخطون -عمدًا- الحضارة الإسلامية ويعودون قرونا عديدة ليستلهموا حضارة الآشوريين والبابليين والفينيقيين والفرعونيين ! ما أفهمه من الدعوتين أن الدعوة الأممية تؤمن بالفكر والمبادئ الإسلامية والمصير المشترك للمسلمين ، في الوقت نفسه (لا ضير) لديها من (ذوبان) الدول الإسلامية في دولة الخلافة الواحدة ، والدعوة القومية تؤمن أيضًا بالفكر العربي واللسان العربي والقيم العربية والمصير المشترك للعرب (ولا ضير) لديها -في فترة عنفوان القومية- من (الذوبان) في دولة عربية واحدة ، إلا أنها ndash; القومية- في الآونة الأخيرة تراخت عن الفكرة ndash; بعد أفول مناصريها- حيث لاذت بمفهوم الدولة (القُطرية) خاصة في الدول المستقرة أمنيًّا واقتصاديًّا مع التمسك بالهدف الأول . يبدو أن الدعوة للأممية قامت لتطرح بعض الشعوب همومها وقضاياها عن كاهلها لتتحملها الشعوب الإسلامية كافة ، وأن الدعوة للقومية أتت نتيجة الرغبة في إحكام السيطرة على العقلية العربية (المغيبة) التي يسهل تشكيلها في أي قالب . وعلى هذا أرى أن الدعوة للوحدتين الإسلامية والعربية أمر محمود في شقه الأول المتمثل في الوحدة الحضارية والثقافية والمصير المشترك ، لذا ينبغي ألا نُصادم بين الدعوتين ، فالأمة الإسلامية واحدة بنص القرآن الكريم ، والأمة العربية رابطها اللغة المنزل بها القرآن ، وما قيام رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية إلا أدلة على مشروعية هاتين الوحدتين ، وهنا تحضرني قصة لأحد (المغاربة) الذي جلس مع بعض إخوته العرب وتكلم أحدهم فقال : نلتقي تحت مظلة العروبة .. فقاطعة المغاربي وقال : بل نلتقي تحت مظلة الإسلام لأنني (بربري) فإن كانت اللغة هي الرابط فلغتي (أمازيغية) فلا رابط بيني وبينك! والخلاصة أن الذي يجب أن ينتفي لعدم إمكانية تحققه هو فكرة (الذوبان) في دولة واحدة ndash;إسلامية أو عربية- مع التأكيد على استمرارية الوحدتين الحضارية والثقافية ووحدة المصير إسلاميًّا وعربيًّا بما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية لكل دولة ، وبذا نقف تحت المظلتين الكبرى (الإسلامية) والصغرى (العربية) دون حرج .