حبيب الصايغ
لا يمكن تعريف اللغة لجهة مكانتها عند قومها، فكل أمة تعتز بلغتها، وتبذل في سبيلها، وتضحي من أجلها . اللغة ليست الاسم والعنوان . ليست الطقس والمناخ . ليست السؤال والجواب . ليست المعنى واللفظ . ليست التركيب والدلالة . ليست اللسان والحصان . ليست الشمس والظل . ليست الفكرة والمبادرة . ليست الخطوة والطريق . ليست الهدف والوصول . ليست الحوار والحضارة . ليست الكتاب والعلم، ليست النافذة والشرفة . ليست الفضاء والأفق . ليست البحر والشراع . ليست الأرض والسماء . ليست الليل والنجوم . ليست النهار والصحو . ليست العمل والإنتاج . ليست الطموح والتضحية . ليست العمر والكد . ليست الحياة والموت .
اللغة ليست بعض ذلك وليست كله . هي أبعد وأقرب، وأدنى وأنأى . اللغة هي الإنسان في التجلي الأكبر، وفي الجوهر واللب والقلب .
وكما أن كل لغة أثيرة عند أهلها، فاللغة العربية تحتل المكان الأسمى عند العرب . هكذا كان منذ فجر التاريخ إلى أن أشرقت الأرض بنور ربها، وهكذا يكون إلى أبد الآبدين .
لكن اللغة العربية اليوم، عربياً ومحلياً، تتعرض لإجراءات ليست في مصلحتها ولا في مصلحة العرب . لا ريب أن هنالك مشكلة، لكن كيف يتم التعامل معها؟
الأفضل أن نتعامل مع واقع اللغة العربية في الإمارات العربية، وفي كل وطن عربي، من دون مبالغة أو تهويل . لنضع المشكلة في إطارها الصحيح، ولنقترح لها المعالجات العلمية المناسبة من خلال متخصصين مؤهلين . كفى كلاماً وكفى تنظيراً، ولا بد من الفكر العميق، والتخطيط اللغوي، وسن القرارات والقوانين التي تصون اللغة .
احتفالنا باليوم الوطني للغة العربية كان جميلاً، وقد شرفه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وصاحب الأيادي البيضاء على حركتنا الثقافية، وعلى واقع جمعيات النفع العام في بلادنا بما فيها جمعية حماية اللغة العربية .
في السياق نفسه، جميل أيضاً أن نحتفل باللغة العربية كل يوم، وأن نضعها على رأس أولوياتنا كل ساعة، وأن نقرها لغة تخاطب وتعامل وتعليم، لكن المبالغة مرفوضة ومضرة، والبعض في كتاباته وطروحاته يصل إلى حد يبدو معه أنه ldquo;ينعىrdquo; اللغة العربية .
ولغتنا العربية التي تعاني من مشكلة أو أزمة لم تمت ولن تموت . هي حية في الضمائر، وفي الاستخدام الإبداعي كما في الاستعمال اليومي، أما الذهاب إلى المبالغة في شأنها، فيضر أكثر مما ينفع، وهو يكرس واقعاً متخيلاً سرعان ما يتحول إلى واقع مواز يتصور معه الناس أن ldquo;العربيةrdquo; استسلمت للأخطار المتربصة، وأنه لا حول ولا قوة .
نكون حينئذ كمن أراد أن يكحلها فعماها، وكمن أسس، من حيث لم يرد، لمستقبل إقصاء لغته وانحسارها، وكمن مهد لذلك من حيث لا يدري .
اللغة العربية، علمياً، واحدة من اللغات الحية عالمياً، فلنتعامل مع واقعها بحذر، حيث المبالغة شطط وغلط .
التعليقات