حبيب الصايغ
زمن اختلاط المفاهيم والأوراق بامتياز، وزمن لا تنقصه الفتن أو الخلافات المجانية، ولذا فمن المستغرب حقاً إصرار البعض على الخوض في مواضيع خلافية مثل موضوع الاختلاط. ليست إلا فوضى الفتوى في أوضح الصور وأبشعها.
العلماء المستنيرون في المملكة العربية السعودية الشقيقة تصدوا لصاحب فتوى التكفير الموجهة إلى مستبيح الاختلاط، وتكلموا عن الموضوع بموضوعية وصراحة، وكان مؤدى آرائهم أن المسائل الخلافية التي لم يجمع عليها، أو التي لم تعلم بالضرورة، فلا يجوز تكفير من أباحها.
الجملة المعترضة التي يجب أن تقال هنا، لأن هذا مكانها، إن حكم القتل يصدر بالضرورة من هيئة قضائية معتبرة، ولا يكون قطعياً إلا إذا أتيح للمحكوم عليه التقاضي في درجات المحكمة الثلاث، فكيف تصدر فتوى بقتل كل من يستبيح الاختلاط؟
ثم إن الاختلاط، بدوره، درجات، فهنالك الاختلاط في الأسواق والأماكن العامة، وقد نسب إلى وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية الشيخ محمود عاشور قوله إن الفقهاء أجمعوا على إجازة الاختلاط في فصول الدراسة، والحدائق العامة، وفي قاعات المحاضرات ما داموا ملتزمي الضوابط الشرعية.
مفتي مصر الدكتور علي جمعة يفتي بإباحة الاختلاط بين الفتيات والفتيان لطلب العلم، مع التزام الآداب والقيم التي حددتها الشريعة الإسلامية. في المقابل، أيد عالم آخر فتوى قتل مستبيح الاختلاط، واصفاً إياها بالمتناسقة والمترابطة.
والقصد أن من الخطأ صدور الفتاوى، على هذا المستوى، من أشخاص، والأمان أن تصدر عن فرق أو مؤسسات، ولو ترك الباب مفتوحاً هكذا، فإن صوت الفوضى سيرتفع، ويدخل أهل الفتوى، وبالتالي، الجمهور المتلقي، في شبكة معقدة تشبه المتاهة.
إن فكرة التكفير أساساً فكرة باطلة، ولا يجوز أن يطلقها شخص، بهذا الأسلوب، على آخر. ومن غير اللائق، حتى أخلاقياً، أن يطلق فقيه معتبر صفة ldquo;ديوثrdquo; على كل أب أو زوج أو أخ يسمح للمرأة بالعمل مع الرجال، لأنه بذلك، وببساطة، يشتم قطاعات عريضة من المجتمعات العربية والمسلمة.
في الإمارات، نحمد الله على عدم وجود فتاوى مماثلة، حيث تعتبر المؤسسات مواجهتها من صميم دورها، لكن تبقى أهمية إنشاء مظلة إفتاء اتحادية رسمية، وقد كانت هناك مطالبة أو مطالبات من هذا النوع في فترات زمنية متفرقة، ولم تكن استجابة الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في حجم التوقعات، فتخصيص علماء يردون على أسئلة الجمهور، على ضرورته، شيء مختلف تماماً عن المطلوب.
تبقى أيضاً الإشارة إلى جزئية غاية في الخطر: فوضى الفتاوى خراب بيوت، وقد يكون لها أثرها السلبي بين أفراد الأسرة الواحدة والبيت الواحد.
التعليقات