عبدالخالق عبدالله


المشهد اليمني محزن كل الحزن، وبائس كل البؤس واليمن يتجه من سيئ إلى أسوأ، ومن إخفاق كبير إلى إخفاق أكبر. ولا يوجد في الأفق القريب بارقة أمل أن هذا البلد العربي الذي تحول إلى كومة من الأزمات السياسية المستعصية والمشكلات التنموية والمعيشية المعقدة، أنه سيتمكن من تجاوز ركوده الاقتصادي الحاد، وعدم استقراره السياسي المزمن. بل إن معظم المؤشرات الحيوية تدل أن اليمن يتراجع مع مطلع كل يوم جديد، ويوشك أن يتحول من دولة هشة، واقتصاد أكثر هشاشة إلى قائمة الدول العاجزة والفاشلة التي لا تستطيع أن تقدم الحد الأدنى من الحياة الآمنة والكريمة والخدمات الإنسانية الضرورية لشعبها.
اليمن هو اليوم أكثر فقرا مما كان عليه قبل عقدين من الزمن، وتراجع تنمويا نصف قرن إلى الوراء. أما معاناة شعبه فقد ازدادت حدة بشكل ملحوظ خلال الـ31 سنة الأخيرة من حكم الفرد الواحد والحزب الواحد.
وحدها الحكومة اليمنية الفاشلة والنخبة السياسية الفاسدة تتحمل مسؤولية هذا التراجع الشنيع في الأداء التنموي وعدم الاستقرار السياسي والتمزق المجتمعي والقبلي في اليمن الذي تحول مؤخرا من عبء استراتيجي ضخم إلى عبء استراتيجي أضخم لدول مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي.
لا يمكن لليمن أن يعيش طويلا عالة على الدول المجاورة ويستجدي الهبات والمساعدات في المؤتمرات الدولية التي عقدت آخر اجتماع لها في الرياض خلال الأسبوع الماضي. كما لا يمكن لحكومته أن تتخلى عن واجباتها ومسؤولياتها، وتضحي بوحدتها، وتنغمس في فسادها، وتحول اليمن إلى أرض خصبة لانتشار العنف والتشدد والإرهاب العابر للقارات. ولا ينبغي أن يسمح لها بأن تتاجر طويلا بمعاناة الشعب اليمني الذي بلغ بؤسه الحدود القصوى للبؤس الإنساني.
بعد نحو عقدين من إنتاج وتصدير النفط يبدو اليمن مجهدا تنمويا أكثر مما كان عليه قبل اكتشاف النفط. لقد أصبح النفط على وشك الانتهاء ولم يتقدم اليمن خطوة واحدة إلى الأمام في سلم النمو والتنمية. فمعدل الأمية في اليمن من أعلى المعدلات في العالم.
واليمن من أكثر الدول العربية فقرا حيث يعيش نحو نصف شعبه البالغ عدده 24 مليون نسمة تحت خط الفقر. أما نسبة البطالة بين القوى العاملة اليمنية فتتراوح بين 25 و%37 وهي أعلى نسبة بطالة في الوطن العربي، وتتركز بشكل خاص بين خريجي الجامعات حيث يوجد 350 ألف خريج جامعي عاطل عن العمل والعدد في تزايد مستمر وسيصل إلى نصف مليون بحلول عام 2015.
الثروة النفطية جاءت وذهبت وستنتهي قريبا، والموارد اليمنية الشحيحة تتعرض للنهب ليلا ونهارا، والمساعدات الخارجية مهما تضاعفت لن تسهم كثيرا في خروج اليمن من نفقه التنموي المظلم، خاصة أن التقارير الدولية تصنف اليمن كأكثر الدول فسادا، وتضعه ضمن أكثر الدول إنفاقا على التسلح في العالم.
والأدهى من ذلك أن وحدة اليمن الذي دفع الشعب اليمني ثمنا بشريا وماديا باهظا لتحقيقها أصبحت مهددة، كما أصبح الانقسام السياسي واردا بعد أن فقدت قطاعات واسعة من الشعب اليمني في الجنوب الثقة في اليمن الموحد الذي كان أحد أهم إنجاز سياسي تحقق خلال ربع القرن الأخير.
كذلك انتكست الديمقراطية اليمنية التي كانت عند لحظة ولادتها قبل نحو عقدين مثارا للإعجاب. لقد تم تفريغ الديمقراطية من مضمونها الديمقراطي وجُيِّرت من أجل تكريس النزعة القبلية المتحكمة في المجتمع اليمني. كذلك وبعد أكثر من نصف قرن من إلغاء الملكية أصبح اليمن أكثر ملكية من الملكيات الوراثية المجاورة. فهناك رئيس منتخب في اليمن يحكم منذ ثلاثة عقود متواصلة وربما سيستمر في الحكم مدى الحياة ويتحلى بكافة مواصفات وامتيازات الملوك ويوشك أن يورث الحكم لأحد أبنائه كما يفعل الملوك.
اليمن هو اليوم أبعد ما يكون من الديمقراطية والوحدة والتنمية والثورة وهي أبرز شعارات النظام السياسي الحاكم الذي فقد صلاحيته باعتراف النخبة السياسية المحيطة به.
والمؤسف أنه بدلا من أن تطرح هذه النخبة السياسية التي تم إفسادها بعمق، السؤال أين يكمن الخلل، ومن يتحمل مسؤولية البؤس والفقر والانقسام، يأتي هذا النظام وبهذا السجل التنموي والسياسي الفاضح ليطلب الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي.
لقد قدمت دول مجلس التعاون مجتمعة مساعدات مالية وفنية سخية ما بعدها سخاء لليمن. ولا شك أن هذه المساعدات ستستمر وليس من الوارد أن تتخلى هذه الدول عن دعم اليمن في أي وقت من الأوقات. لقد وقفت هذه الدول مع اليمن وستقف معه في السراء والضراء. لكن هناك حدا وحدودا لما يمكن لدول الجوار القيام به لمساعدة اليمن الذي لا يود أن يساعد نفسه ويتحمل مسؤوليات إخفاقاته السياسية والتنموية المتكررة.
لقد تجاوزت دول مجلس التعاون أخطاء اليمن الكثيرة وتناست زلاته العديدة بما في ذلك وقوفه اللاأخلاقي مع صدام حسين في غزوه غير المبرر للكويت عام 1991. واتخذت هذه الدول قرارا استراتيجيا ومبدئيا بإشراك اليمن في عدد من المؤسسات الخليجية، لكن رهان اليمن على الانضمام الوشيك إلى المجلس هو رهان خاسر، وتفاؤله الشديد بأنه سيكون جزءا من المنظومة الخليجية في غير محله وعليه أن يعيد حساباته لأنه غير مستعد حاليا لتحمل التزاماته. ومن الخطأ الاعتقاد، يمنيا وخليجيا، أن الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي سيكون كافيا وكفيلا بحل أزمات اليمن الداخلية المستعصية التي تزداد استعصاء يوما بعد يوم.
اليمن عزيز على دول مجلس التعاون بأكثر مما يتصوره اليمن. لكن الخلل يكمن في الداخل اليمني وليس في الخارج، والمشكلة الحقيقية تكمن في قلب اليمن وليس في جواره، والمطلوب مشروع وطني إصلاحي توفيقي جاد يوقف إخفاقات اليمن المتكررة، ويعيد له عافيته وللشعب اليمني حيويته ويبعده عن شبح الحرب الأهلية ويمنع تحوله إلى دولة فاشلة في محيط جغرافي مليء بالدول المزدهرة.