سعد محيو

مهما تكن النتائج التي ستُسفر عنها الانتخابات العراقية الأخيرة، فثمة حقيقة لم يعد في الإمكان القفز فوقها: الصراع على ldquo;الكعكة العراقيةrdquo; بين إيران وأمريكا سيصل إلى ذروته خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة .

لماذا؟ لسببين متكاملين:

الأول، أن واشنطن ستكون قبل نهاية هذا الصيف قد سحبت جُل وحداتها المقاتلة من العراق، على أن تستكمل سحب بقية القوات في العام 2011 . لكنها لن تفعل ذلك بأي حال إذا ماشعرت للحظة بأن الإيرانيين سيقومون بملء الفراغ . فهذا سيكون بالنسبة إليها الانتحار الاستراتيجي بعينه . إذ إنه سيعني أن الإيرانيين سيتحكّمون بصنابير النفط في دولة هي الثالثة في العالم من حيث احتياطي البترول المُثبت، ما سيمكّنهم من الإمساك بالعالم الغربي برمته من خناقه .

ليس هذا وحسب، بل سيؤدي سقوط العراق في أحضان إيران إلى فتح كل أبواب شبه الجزيرة العربية أمامها .

بالطبع، لن تجرؤ إيران على التمدد العسكري على هذا النحو، لأنها تعلم علم اليقين بأنها ستستدرج حينها حرباً أمريكية أضخم بكثير من تلك التي خيضت ضد العراق بعد غزوه الكويت . بيد أن مجرد وجود خيار استراتيجي لاحتلال منابع النفط العربية، يعطي إيران ورقة تفاوض ومساومة مهمة مع أمريكا والغرب .

واشنطن تدرك بالتأكيد هذا المعطى، ولذا فلن توفّر أي جهد وأي طاقة لمنع إيران من أن تكون القوة الإقليمية الأقوى في منطقة الخليج، حتى ولو اقتضى الأمر بقاء القوات الأمريكية هناك إلى الأبد، أو على الأقل إلى أن تنضب آخر قطرة نفط .

في المقابل، لن تتوانى طهران عن بذل الجهود لتعزيز نفوذها في العراق، بالقدر نفسه الذي يتراجع فيه النفوذ الأمريكي هناك . وهي ستفعل ذلك ليس بسبب الأهمية الاستراتيجية الكبرى للعراق في موازين القوى الإقليمية والعالمية، بل أيضاً لسبب آخر لا يقل أهمية، وهو منع العراق بعد الانسحاب الأمريكي منه من البروز مجدداً كقوة إقليمية موازنة لها في منطقة الخليج .

وهذا يعني ضمان إبقاء العراق ضعيفاً، عبر مواصلة العزف على وتر التناقضات الداخلية العراقية .

والحصيلة؟ إنها واضحة: بقاء بلاد ما بين النهرين ساحة صراع عنيف بين طهران وواشنطن، لا يُستبعد أن تُستخدم فيه حتى الصواعق الأمنية في حال شعر أحد الطرفين أن موازين القوى لا تميل إلى صالحه .

وعلى أي حال، سنرى عيّنات عديدة من هذا الصراع في قادم الأيام، حين تبدأ ldquo;حربrdquo; تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، والتي سيكون الأمريكيون والإيرانيون خلالها حريصين كل الحرص، وعلناً في الغالب، على تحديد شروطهم ومطالبهم وفيتواتيهم (من فيتو) فيها بكل الوضوح الممكن .

أما الأطراف السياسية العراقية فستجد نفسها في موقف حرج للغاية، حيث قد يتعيّن عليها الاختيار بين رغبات طرفين خارجيين قويين (إيران وأمريكا)، من دون أن يكون للخيار العراقي المستقل قوة ذاتية فاعلة، بسبب استمرار هشاشة الدولة العراقية بكل مؤسساتها العسكرية والإدارية والتنفيذية والتشريعية .

المجابهات، إذاً، قادمة في العراق . وهي ستزداد حدة مع كل جندي أمريكي ينسحب من هناك .

لكن، ألا يحتمل أن يتجنّب العراق مثل هذا المصير عبر تصوّر ما لا يمكن تصوّره: إبرام صفقة كبرى أمريكية إيرانية؟