سركيس نعوم
يجد رئيس الحكومة سعد الحريري نفسه هذه الأيام أمام خيارين سياسيين بالغي الصعوبة. الأول، هو الاقتداء بالزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط الذي قرر بعد حوادث 7 أيار 2008 ومتغيراتها، وحرصاً على سلامته وسلامة quot;شعبهquot; ودوره في لبنان، شطب سنوات الحرب الشعواء التي شنّها على النظام السوري منذ أواخر 2004 لأسباب معروفة وربما مبررة والعودة اليه عودة تقرب من quot;عودة الابن الضالquot;. أما الخيار الثاني، فهو الذي اعتمده رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة ولكن مع مرونة أكبر وحركة أوسع ومناورات أعمق واستعدادات لفظية شبه يومية لبناء علاقة شخصية ودولتية مميزة ومتميزة مع النظام السوري وقائده، مستفيداً للنجاح في ذلك من دعم quot;شعبهquot; له والذي لا يزال كبيراً، ومن دعم عربي له (مصر والسعودية) وإقليمي (تركيا) ودعم دولي تمثل اميركا وفرنسا ودول كبرى أخرى أبرز مقدميه. والمرونة يفرضها تغيّر المرحلة الحالية عن مرحلة quot;حكمquot; السنيورة. فيومها كانت سوريا محشورة وquot;مستهدَفةquot; من داخل ومن خارج وكانت رافضة أي تنازل ومصممة على quot;الثأرquot;. وعنى ذلك في حينه غياب أي استعداد عندها للتفاهم مع السنيورة. وعندما بدأت تنقلب الظروف لمصلحتها تمسكت بسلبيتها حياله فصار الرجل الذي لا يمكن التوصل الى تسوية معه. وعندما نجحت في قلب ميزان القوى في الداخل اللبناني بفرض تأليف حكومة توافق وطني لا تستطيع ان تقرر شيئاً اذا رفض حلفاء سوريا ذلك، اعطت اشارات الى استعدادها لبدء مرحلة جديدة مع سعد الحريري نجل الشهيد رفيق الحريري ومع شعبه.
أي خيار يعتمد الرئيس سعد الحريري؟ أو بالأحرى هل اعتمد خياراً واضحاً ومحدداً عندما زار سوريا واجتمع مع رئيسها بشار الاسد تسع ساعات؟
التسريبات الإعلامية المقصودة من سوريا ومن حلفائها اللبنانيين خلال المدة التي أعقبت الاجتماع المشار اليه الى وسائل اعلامية لبنانية وسورية اظهرت أكثر من مرة وجود شكوك في دمشق في جدية اعتماد الحريري خيار طي صفحة السلبية معها، وطنياً وشخصياً. أما الردود أو التعليقات التي صدرت عنه (الحريري) مباشرة أو عبر مستشاريه، وحتى عبر تسريبات إعلامية مقصودة، فقد اظهرت - شكلاً على الاقل - تمسكاً منه quot;بالمصالحةquot; ومفاعيلها وحرصاً على الاستمرار في العمل لجعل العلاقة بين لبنان وسوريا نموذجاً للعلاقة بين دولتين شقيقتين وجارتين.
والحقيقة التي يمكن استشفافها من التسريبات والتعليقات السورية واللبنانية تشير على نحو جدي الى انه ربما يكون هناك شيء غير quot;ظابطquot; حتى الآن في العلاقة، وهذا أمر يمكن ان يفهم لأن ما شابها من سوء كثير وكبير، ولأن التوصل الى ازالته يلزمه وقت طويل ونيات صادقة. واذا كان الوقت متوافراً، فهل ان صدق النيات متوافر؟ والجواب عن هذا السؤال ليس ايجابياً. وكل من يتابع تحرك سوريا وطبيعة quot;الضغوطquot; التي تمارس عبر حلفائها اللبنانيين على المراجع والقيادات لكي يعودوا الى quot;جادة الصوابquot; يدرك ان سوريا تريد في لبنان ومنه أكثر مما تقول. ومن يتابع طبيعة تحرك الحريري وقاعدته الشعبية والسياسية ومؤسساته يدرك انه لا يستطيع او لا يريد الاستسلام لسوريا لا شخصياً ولا وطنياً رغم عدم ممانعته في التحالف معها اذا لم يمس ذلك الثوابت اللبنانية...
في اختصار، لا يستطيع سعد الحريري ان يكون وليد جنبلاط الذي قد لا ينجح خياره ولا يستطيع ان يلومه، فتجربتاهما مختلفتان كما تجربة والديهما اللذين ورثاهما في السياسة كما في امور اخرى، رغم ان نهاية الوالدين كانت متشابهة بمأسويتها. ولا يستطيع احد ان يقنع الحريري باعتماد واحد من الخيارين المشار اليهما اعلاه. لكن ما يستطيعه العقلاء في البلاد، وهم كثر رغم ان عدد المجانين أكبر وبكثير، هو نصح رئيس الحكومة والزعيم سعد الحريري أولاً بأن يعرف بدقة ماهية العلاقة التي تربطه بحلفاء الخارج. وهل هي صداقة ام تحالف ام مبنية على المصالح. وهل يدعمه هؤلاء الحلفاء ويحمونه أم quot;يقطعون الحبل به في منتصف البئرquot;. وثانياً، بأن يكثر من العلاقات والصداقات ويقلل في الوقت نفسه من الالتزامات وإن كان فيها شيء لمصلحة بلاده وخصوصاً اذا كانت متناقضة. وثالثاً، بأن يُعدّ شعبه وجمهوره quot;للصلحquot; مع سوريا اذا قرر ذلك أو للصمود في مواجهتها اذا قرر ذلك، وطبعاً بعد درس تكلفة كل من القرارين وامكان تنفيذه، فلا يبقى كما هي حاله اليوم عرضة للضغوط والاغراءات وكذلك حلفاؤه. ورابعاً، بأن يحاول معرفة حقيقة ما تريده سوريا منه ومن لبنان وبأن يصارحها في ما يستطيعه وما لا يستطيعه وبأن يتمسك quot;بقرارهquot; فلا يتركه عرضة لتأثير هذه الجهة أو تلك في الداخل أو في الخارج.
هل يفعل ذلك؟ لا أحد يعرف، لكن ما هو مؤكد للجميع ان سوريا تعرف ما تريد ولن تتراجع عنه وان التردد سواء في عملية التسوية معها على حل وسط أو في مواجهتها في حال فشل الحل الوسط، مع الانقسام في الداخل، قد يجعلان معركتها رابحة وخصوصاً اذا استمر التقاء المصالح الاقليمية والدولية وquot;العدوةquot; مع مصالحها.
التعليقات