علي حماده
كان الرئيس نجيب ميقاتي اول من اطلق تسمية الوسطية على اصطفافه السياسي غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وانقسام البلاد بين معارض للوصاية السورية ومؤيد لها. وقد اتى ميقاتي الى رئاسة الحكومة على قاعدة ان يمسك بـquot;ميزان الجوهرجيquot; من الوسط بين التيار الاستقلالي آنذاك، والتيار المؤيد للسوريين، فكان خلال ترؤسه الحكومة التي جرت في ظلها الانتخابات الاولى في عهد الاستقلال الثاني، مثالا في quot;الوسطيةquot; بين خطين كبيرين، وان لم يحل الامر دون ان توجه اليه انتقادات من كلا الفريقين وبقي ميقاتي متمسكا بـquot;الوسطيةquot; خلال السنوات التي تلت وخصوصا انه كان يطرح نفسه على الدوام مرشحا لترؤس حكومة في حال تعذر تشكيلها من الجهة التي تمثل الشريحة الاكبر من السنة في البلاد اي quot;تيار المستقبلquot;.
انما ليس هذا موضوعنا اليوم. الموضوع ان مفهوم quot;الوسطيةquot; تجدد مع تعاظم حظوظ الرئيس ميشال سليمان الذي كان يشغل منصب قائد الجيش خلال الازمة المفتوحة في لبنان. ولما جرى الاتفاق على انتخاب سليمان رئيسا خلال مؤتمر الدوحة، وُصف بانه رئيس وسطي سيكون حَكَما بين الفريقين اللبنانيين المتخاصمين. وجاء خطاب القسم بعد انتخاب سليمان في 25 ايار 2008 ليشكل نصا وسطيا يستحق التدريس. وكان ان وُضع عهد الرئيس سليمان تحت شعار الوسطية.
في هذه الاثناء كان النائب وليد جنبلاط ينفذ استدارة سياسية كبيرة ومتدرجة بدأت في اعقاب غزوات أيار 2008. وقد وضع جنبلاط تحركه بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في سياق تشكيل كتلة وسطية تحيط بالرئيس سليمان وتؤمن استقرارا سياسيا للعهد يخفف حدة الاصطفافات الكبرى بين 14 آذار و8 آذار. وبعد الثاني من آب 2009، وصف جنبلاط تموضعه السياسي الجديد بـquot;المنزلة بين منزلتينquot;، رافضا بداية القول انه خرج من الاكثرية النيابية، مؤكدا تمسكه بالتحالف مع الرئيس سعد الحريري. لكن المرحلة التي تلت اثبتت ان جنبلاط ابتعد من 14 آذار متجاوزا الوسطية ليقف على تخوم الفريق الآخر، ان لم يكن في قلبه على مستوى الخيارات الكبرى ولا سيما في ما يتعلق بـquot;حزب اللهquot; والحكم السوري تحديدا بعدما نجحت الوساطة في فتح طريق دمشق امامه.
على مستوى آخر، وفيما كان تحالف طهران - دمشق وترجماته اللبنانية يزداد قوة على المسرح السياسي، بدا ان الوعود التي كانت اطلقت للجنرال ميشال عون بأن تقتصر ولاية الرئيس سليمان على سنتين عادت لتطفو على السطح مع اعلان رئيس الجمهورية اعادة اطلاق جولة حوار جديدة حول سلاح quot;حزب اللهquot; تحت مسمى quot;الاستراتيجية الدفاعيةquot;، فكان ان تجددت الحملة عليه اما بوصفه بالعضو الخفي في 14 آذار، او معتبرة ان مفهوم الرئيس الحيادي لا وجود له في لبنان.
في كلا الحالتين، حالة سليمان وحالة جنبلاط، كان حديث عن وسطية بين كتلتين كبيرتين من اجل كسر الاصطفافات الحادة وتأمين شبكة امان سياسية للعهد الجديد. وفي حالة جنبلاط الذي لم يجد نبيه بري على الموعد مع الوسطية، تحولت الوسطية عودة متدرجة لكن ثابتة الى مرحلة سابقة. اما في حالة الرئيس سليمان فقد غدت ملامح المرحلة السورية السابقة اكثر بروزا مع الهجوم عليه بداعي ان لا مكان للوسطية او الحياد في رئاسة الجمهورية وذلك استذكارا لـquot;مآثرquot; سلفه!
اليوم تسود دعوة الى اعتماد quot;الواقعيةquot; بديلا من الوسطية والحياد. وفي مطلق الاحوال لن ينجو لا الرئيس سليمان من حملة لمحاولة استنساخه اميل لحود آخر، ولا جنبلاط سينجو من دفتر شروط لا تنفك بنوده تتوالد يوما بعد يوم. وإذا كان المشهدان الدولي والاقليمي يعززان اعادة النظر في العديد من الاصطفافات السابقة، فهل هذا يعني ان يساهم اللبنانيون في اعادة بلدهم الى عصر الوصاية تحت شعار quot;الواقعيةquot;؟
التعليقات