محمد بو عيدة

في فترة لم تتجاوز الشهر، عاشت البحرين بحراً متلاطماً من المواقف والأهواء والمفاجآت، تجعل الحليم حيراناً، يفتح عينيه ويتساءل laquo;شسالفة؟ ايش صاير في الديرة؟raquo;، وطبعاً المواطن البسيط يقرأ ويشاهد ثم يكتفي بهز رأسه ويقول laquo;الله يسترraquo;.
تطاحن كلامي في شأن منع المشروبات الروحية، وطبعاً هذا الأمر كثيراً ما تتحكم فيه العواطف طالما هي تلامس الدين، وسحبت البحرين بين مؤيد ومعارض، بين تكفير وتجهيل، بين حرية وlaquo;طلبنةraquo;، والمواطن البسيط لايزال يهز رأسه.
خرجنا من laquo;البارraquo; لنذهب إلى الحفلات، وحمداً لله لم يدم بقاؤنا في الحفلات طويلاً، ليصفعنا الشارع بخبر الوزير المقال، وخذ من المقالات والأخبار والتحليلات والإشاعات ما لذّ وطاب، في البيت، في القهوة، في العمل، في التلفون، إلى درجة نسي فيها الناس كلام الغزل وأخذوا يتحدثون عن هذه القضية، والمواطن البسيط لايزال يهز رأسه.
في غمرة هذا كله، يصفعنا الشارع مرة أخرى بخبر الضابط الذي تتم محاكمته عسكرياً بتهمة laquo;ابتزازraquo; العساكر، وتمر القضية علينا هكذا وكأنها ترفع يدها بالسلام وتمضي.
لتأتي قضية مجلس النواب وتقرير لجان التحقيق الذي أكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن البحرين laquo;مشفووووطةraquo; من كل الاتجاهات والنواحي، علماً أني شخصياً لا أتوقع أن يكون هناك استجواب لوزير المالية لا لشيء سوى لضيق الوقت، وإنْ حدث فسيكون مصيره مصير الاستجوابات السابقة.
تتشابك الخيوط المنسوجة بـ laquo;الشفافيةraquo;، لتخرج علينا الأقاويل بأن كل القضايا مغزولة من بقايا التي laquo;نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاًraquo;، لنعود مرة أخرى إلى دعوات الطائفية وتبادل الاتهامات إلى درجة العجرفة وليّ عنق الحقيقة وعسف الكلام، حتى أن بعض الناس laquo;تهاوشواraquo; فعلاً وتشابكت أياديهم الغاضبة، إذ laquo;كل بما لديهم فرحونraquo;.. ولايزال المواطن البسيط يهز رأسه.
في بلد صغير كالبحرين، بات من السهل التخوين والاتهام بالعمالة لأي جهة كانت، وكأن الناس لا ينقصهم في حياتهم سوى laquo;الترف السياسيraquo;، فيتركون مشكلات الإسكان ليتحدثوا عن منع المشروبات الروحية، ويتركون البطالة ليتحدثوا عن استجواب لا وقت له، ويتركون الفقر ليتحدثوا عن laquo;شيكات طائرةraquo;، وهكذا دواليك.
الغريب أن الأمر يعد من ذوات السلاسل، أي أنه laquo;سلسلةٌ بنت سلسلةٍraquo;، فكلما طل أمر ذو بال ومهم فعلاً، خرجت علينا قضية أخرى، تنسينا الأمر الأساسي، ولكم في أملاك الدولة مثالاً، انظروا ماذا خرج على الناس في مقابلها كي تتم عملية الإلهاء، وما خرج على موضوع الإلهاء كي ينشغل الناس بأمر laquo;الموضوع الملهاةraquo; لأنه تفاقم واستفحل، وهكذا دواليك.
المواطن البسيط عندما يفتح عينيه متسائلاً laquo;شسالفة؟raquo;، ليس استغراباً، بل ملل ومحاولة منه في التقاط أنفاسه، إذ إنه بالكاد استوعب الصفعة الأولى.
البحرين.. هذا البلد الصغير، كثيرون هم من يقولون laquo;شسالفة؟raquo; مطالبين بالتقاط الأنفاس، لا مستغربين، فالشعب البحريني يعي ما يدور حوله، ولكن في فمه ماء.. وهل ينطق من في فيه ماء؟