يوسف القبلان

تواصل المملكة حوارها الفكري حول ظاهرة التطرف الذي يقود إلى الأعمال الإرهابية . آخر الفعاليات كان المؤتمر الذي عقد في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة تحت عنوان ( الإرهاب بين تطرف الفكر ، وفكر التطرف ).

حين نسترجع الإنجازات الأمنية على صعيد مكافحة الإرهاب نجد أنها إنجازات تستحق عليها القطاعات الأمنية كل تقدير واحترام . تلك الإنجازات واضحة وموثقة ومعلنة بلغة الأرقام وحققت وقاية للمجتمع ، وكانت سباقة إلى منع وقوع الخطر .

أما على الصعيد الفكري فيصعب حتى الآن حصر ما حقق في محاربة الفكر المتطرف . الدولة لها موقف رسمي واضح في قضية التطرف الفكري وتعمل بشتى الوسائل على محاصرة هذا التطرف محاصرة فكرية وهنا يأتي دور العلماء وأصحاب الفكر في التصدي لهذه الظاهرة التي أفزعت الناس في كل أنحاء العالم .

وحتى نستطيع وقف الفكر التطرف لا بد أن نبحث عن منابعه، ومن ثم نسأل :

هل لا تزال المنابع نشطة؟

هل استطعنا تجفيفها؟

هل عرفنا لماذا ومتى بدأ الفكر المتطرف؟

هل الفكر المتطرف نتيجة أم سبب؟

من الذي ينظر للإرهاب ويسوغه؟

كيف نتعامل مع الفكر المتطرف فكرياً وإعلامياً؟

هل توجد خطة للتعامل مع الفكر المتطرف من خلال الخطاب الديني ، والخطاب الثقافي؟

هل لدينا خطاب ديني موحد؟

الفضاء مفتوح أمام أسئلة كثيرة حول قضية الفكر المتطرف واذا كانت الوسائل الاعلامية تتصدى بشكل يومي لهذه الظاهرة الخطيرة ، فإن أمامنا طريق طويل حتى يتحقق التغيير المنشود .

ولأن النتائج المرتبطة بالفكر ليست فورية ، فإن المهم هو أن نبدأ الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، هذا الاتجاه يقودنا إلى تقييم الفكر داخل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وكلها تتكامل لتشكل منظومة الوطن .

في المدارس مثلا نسمع عن وجود فكر يمنع أو يحرم الاحتفال باليوم الوطني ، إلى جانب تطوع بعض المعلمين لتقديم فتاوى للطلاب وهي ليست من اختصاصهم . وحين نراجع الفعاليات الثقافية التي تقام في مناطق المملكة المختلفة نلاحظ أن الفكر المتطرف يقود بعض الشباب لتعكير جو هذه الفعاليات يدفعهم إلى ذلك رأي مختلف مع ما يطرح في تلك الفعاليات من قضايا هي -أصلا- محل خلاف بين العلماء ، ولكن المتطرفين يقررون وينفذون ولا يقبلون برأي آخر ، فيعمدون إلى الانتقال إلى موقع الحدث لإحداث الفوضى وإفشال الفعالية باللغة الصوتية تارة وبلغة أخرى تارة أخرى .

وهناك تطرف يولد من تطرف، ولهذا فإن معالجة التطرف لا بد أن تتعامل مع نوعين من التطرف: أحدهما يسلك طريق ( الغلو ) في الدين ويلجأ إلى العنف لإملاء أفكاره وفرض توجهاته، والآخر يسلك طريق التمرد غير المقيد أو ينشد حرية بلا حدود وهو أيضا تطرف مرفوض ، وأصحابه يلجأون أحيانا للتعميم ، ويطالبون باحترام الرأي الآخر ويفعلون العكس .

ومهما اختلفنا في الرأي فإننا نتفق على هدف واحد؛ وهو أن التطرف الذي يقود إلى الإرهاب هو ضد الدين وضد مصلحة الوطن . هذه هي الرسالة التي تحتاج لترجمة إلى واقع عملي .