يوسف الكويليت

فيتنام التي تحررت وتوحدت بعد حروب مع الفرنسيين واليابانيين والصينيين ثم الأمريكان، خاضت أطول المعارك مع دول وحلفاء، وقد ناصرها في حربها الأخيرة ضد أمريكا الاتحاد السوفيتي والصين، لكن عبقرية الشعب الفيتنامي وتطويره وسائل للمقاومة أصبحت أحد الدروس في الأكاديميات العسكرية والسياسية حتى إن استخدام موجودات الطبيعة مثل النحل القاتل، والمستنقعات والخنادق المتعرجة وضع فيتنام على لائحة الدول التي لم تخمد حروبها عدة عقود..

رموز قادتها وُضعت على لائحة الأبطال العظام لأنهم سجلوا انتصاراتهم على كل من حاربهم رغم إمكاناتهم البسيطة، لكن عقيدة الولاء المطلق التي تصل إلى حد القداسة للوطن، هي التي جعلت البطولة مبدأ وطنياً عاماً، ورغم ملايين القتلى والجرحى والدمار الشامل الذي لحق بالقطاعين الشرقي والغربي، قبل توحيدهما، إلا أن فيتنام الحديثة تناست الجروح والمآسي لتنفتح على الأصدقاء والأعداء، لتقترب من تجربة الصين حين ظل الحكم برئاسة دولة اشتراكية، ونظامها الاقتصادي والمالي رأسمالياً..

الرئيس الفيتنامي laquo;نجوين منه ترايتraquo; الذي يحل ضيفاً على خادم الحرمين الملك عبدالله يحمل مراسيم صداقة مفتوحة بين البلدين مبدياً رغبة في التعاون على كل المستويات بالطاقة والزراعة والقوى العاملة، والمملكة التي لم تعد تهتم بالتصنيفات بين نظام وآخر أو بلد بقارة آسيوية أو غيرها، تعرف أن فيتنام ترمز للدول التي تتطلع للبناء والخروج من أسر الحروب التي فرضت عليها إلى آفاق البناء الشامل، والمملكة التي تفتح حدودها لكل الأصدقاء تضع فيتنام من الدول التي لديها الإمكانات التي تحتاجها المملكة مثلما تحتاج فيتنام الطاقات السعودية الموجودة في النفط وصناعاته وغيرها..

فوقوع فيتنام قرب دول ناهضة وتطلعها أن تكون مثالاً في حرب البناء بدلاً من الحروب العسكرية جسد أهداف تنميتها الشاملة، مطلقة عمليات تحديث وتسهيلات للمستثمرين الأجانب، وامتداداً لتلك الرؤية أدركت أن المملكة التي تجتمع معها في قارة واحدة وأهداف مشتركة حليفاً تنموياً، تأمل الوصول معه في المباحثات التي يحضرها وفدان كبيران إلى اتفاقات في مختلف الاتجاهات، وفي ذلك تأكيد على أنهما بنفس الخط والاستعداد في استغلال موجودات كل بلد، لاسيما وأنه لا عقدة سياسية أو أي نوع من العوائق والتقاطعات التي تفصل أهدافهما وتطلعاتهما عن بعض..

وإذا كان البلدان يرفضان نزعة الحروب، ويرحبان بالسلام والتعايش الدولي، وتحقيق العدالة بين الأمم والشعوب، وتقرير المصير واحترام المبادئ الدولية، فإن هذا يشكل قواسم مشتركة بين البلدين، ولسنا على خلاف أن التاريخ مصدر التجربة الكبرى، ودرس مفيد في أحوال السلم والحرب لكل الأمم، والمملكة التي توحدت في بطولة هي الأحدث والأعظم في تاريخ العرب الحديث، ترى أن نضال فيتنام رمز هام في التضحية والعودة إلى الانفتاح على كل الدول كعربون صداقة وتعاون..