عبدالعظيم محمود حنفي

واشنطن توصلت الى قناعة بأن مخططها الأساسي بإقامة سودان موحد أفريقي الهوية ليس له فرصة
قلت في مقالة سابقة في quot;السياسةquot;: إن المعارضة السودانية فوجئت وبوغتت بالتأييد الاميركي للرئيس البشير بشأن إقامة الانتخابات في موعدها وبشروطه, بل اعلنت ان تلك الانتخابات ستجري في نزاهة وشفافية ما اسقط في يد المعارضة السودانية سيما بعد الانسحاب المفاجئ لمرشح الحركة الشعبية ياسر عرمان من سباق الرئاسة والواقع ان اداء عرمان في تلك الحملة فاجأني وفاجأ الكثيرين فقد قام بحملة منظمة منضبطة رفع فيها شعارا براقا هو الامل والتغيير في اتجاه عالمي ينحو نحو الخطو بنفس ستراتيجية اوباما الذي وضع عرمان صورته في ملصقاته الانتخابية وهو مثل بلا شك تحديا حقيقيا للرئيس البشير وكان انسحابه مع احتمالات نجاحه لغزا ما لبث ان انجلى مع تسريبات وتصريحات عن صفقة عقدها الرئيس البشير مع نائبه سلفا كير, مفادها سأترك لكم الانفصال وأسهله بشرط عدم مزاحمتي, وسبق ان ذكرت ان مطلب انفصال الجنوب السوداني كان مطلبا لعناصر مهمة ومؤثرة في المؤتمر الوطني من اجل فرض استمرار السيطرة على الشمال وتطبيق قوانين الشريعة الاسلامية عليه من دون ازعاج ومشكلات جنوبية ومن هنا يمكن فهم الموقف الاميركي. واشنطن توصلت الى قناعة ان مخططها الاساسي بإقامة سودان موحد افريقى الهوية ليس له فرصة رغم انه الخيار المفضل الستراتيجي لديها عوامل عدة اهمها ان الادارة الاميركية تضع السودان ضمن ما اسمته القرن الافريقي الكبير, وهي بهذا تريد ان تنتزعه كلية من الحظيرة العربية, علاوة على ان مصالح الشركات البترولية الكبرى وعلى راسها الشركات الاميركية ليس من مصلحتها تقسيم السودان بالنظر الى اكتشاف النفط في الشمال بكميات واعدة, وامتداد حقول النفط بين الجنوب والشمال بشكل يؤدي الانفصال معه الى عرقلة نشاط هذه الشركات من جهة وسيادة حالة عدم الاستقرار من جهة اخرى.ثم ان انفصال جنوب السودان وتشجيع دول الجوار الأفريقي له قد يؤدي الى زيادة الصراع بين الدولة الجنوبية والدولة الشمالية, ويضع على الأخيرة ضغوطا . وليس من شك في أن وضعا كهذا لن يخدم المخطط الاميركي الذي يستهدف اضعاف مصر, بل وربما تمزيقها بحسبان كونها ركيزة لاي توجه وتجمع عربي. ومن ثم فقد اخذت واشنطن بخيارها الستراتيجي الثاني البديل والمتعلق بتأييد انفصال الجنوب السوداني والعمل على ذلك ومن ثم في سبيل انجاح ذلك لم تجد بدا من التماهي مع مواقف الرئيس البشير باقامة الانتخابات في موعدها . إن الستراتيجية الأميركية المعلنة تجاه السودان ترمي إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: إنقاذ الأرواح وضمان سلام دائم, وتطبيق اتفاق سلام طويل الأمد, ومنع السودان من أن يصبح ملاذا آمنا للإرهابيين.وهي تعلن أن quot;الإخفاق في تحقيق هذه الأهداف يمكن أن يسفر عن مزيد من المعاناة, ومزيد من عدم الاستقرار الإقليمي أو عن إيجاد ملاذات آمنة جديدة للإرهابيين الدوليين.quot;ونلاحظ انquot;التطبيق الكامل لاتفاق السلام الشامل في السودان بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان الذي أبرم العام 2005quot;.هو اساس ومحور تلك الستراتيجية ولذا ستعمل واشنطن بكل جهدها بعد الانتخابات التي اضحت محسومة سلفا للرئيس البشير على أن يتواصل العمل ويتسارع من أجل الوفاء بالمواعيد النهائية المتبقية من اتفاق السلام الشامل. مع العمل على استكمال , وإنشاء اللجان التي ستشرف على الاستفتاء في الجنوب, وأبيي, ومن أجل إجراء مشاورات شعبية في ولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان, والتفاوض بشأن ترتيبات مستدامة لمرحلة ما بعد اتفاق السلام الشامل في مجالات مثل تقاسم الثروة والمواطنة والأصول, والمسؤوليات. مع التزام اميركي حاسم بضمان أن الاستفتاءات ستحدث في الموعد المحدد لها وأنه يتحتم احترام نتائجها. وهذا مفهوم لأن سياسات الولايات المتحدة هذه هي بهدف خدمة مصالحها وإعادة ترسيم السياسة الغربية في المنطقة ولو على حساب تقسيمها وإضعافها وإضعاف الرموز العربية.
لكن هناك مع ما يبدو من تناغم في الستراتيجية الاميركية تجاه السودان ورغم استعمال أدوات تهدف إلى تصدير انطباعات إلى الرأي العام العالمي والأميركي بوحدة الادارة في هذا الملف واستخدام ألفاظ الستراتيجية الشاملة وسياسات العصا والجزرة إضافة إلى الأداء الحازم الذي تحرص عليه ادارة اوباما بشأن هذه الستراتيجية والتي تتضمن بنودا سرية لم يعلن عنها.واضح انها خطط خشنة لارغام الرئيس البشير على الالتزام بقواعد اللعبة التي ارستها الاتفاقات مع الحركة الشعبية, الا ان مأزق وصعوبات تكتنف تلك الستراتيجية.
فانفصال السودان حتما سيتلوه انفصال اجزاء اخرى, ما يعني ان هناك غياب الإدراك الاميركي بخطورة تجزئة السودان لأكثر من دويلة حيث يجعل هذا الخيار منطقة الوسط التي يسكنها العرب والمسلمون مرشحة لان تكون مفرخة للمتشددين الاسلاميين بسبب مساهمة السياسات الأميركية في تجزئة بلادهم من ناحية ومساهمة تجربة الانقاذ في انتاج خطاب التشدد الديني الذي يشكل غالبا القاعدة المناسبة لتفريخ الاستشهاديين من ناحية اخرى.