بثينة شعبان

مرت الذكرى السابعة لسقوط بغداد بصمت في الإعلام العربي، كما هو متوقع، فعار العجز الرسمي العربي عن حماية العرب من الغزو الأجنبي، الذي ترك عاصمة عربية كبغداد تقع تحت براثن احتلال قوى العنصرية الصهيونية المعادية للعرب التي كان يمثلها بوش، والذي وقف قسم منه متشفيا لقصف العدو للمدنيين في عاصمة عربية كبيروت عام 2006، والذي يساهم في فرض الحصار وقتل المدنيين العرب في مدينة عربية كغزة عام 2009، ما زال هذا العار يلاحقنا، فترى إعلامنا يتهرب من هذه المناسبات خجلا وإحباطا، ولكن في التاسع من أبريل (نيسان) الحالي ظهرت في الصحف والإنترنت ثلاثة تسريبات تشير إلى حقيقة واحدة، وهي أن قتل الغربيين للعرب، إن كان في العراق أو فلسطين أو لبنان، هو قتل متعمد ينطلق من قناعات عنصرية، وهو لذلك جزء من الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية المشتركة لتحقيق الأهداف السياسية المتمثلة بفرض هيمنة القوة الإسرائيلية الساحقة على العرب كلهم، مسالمين كانوا أو ممانعين.

إن شريط الفيديو الذي نشره موقع laquo;ويكيليكزraquo; لم يفاجئ أحدا هنا في الشرق الأوسط، وكل ما أظهره من قتل متعمد للمدنيين العراقيين العزل، ومن ضحك وسخرية طاقم طائرة الأباتشي التي كانت تحصد المدنيين العزل دون أي سبب لم يكن مفاجئا أيضا، ويدل على أن تدريب الجنود الأميركيين يتضمن تعبئتهم بالكراهية للعرب. قال أحد أفراد الطاقم laquo;انظر إلى جثث هؤلاء الأوغادraquo;، وحين جرحوا أطفالا وصلوا مع أهليهم لمساعدة المصابين، قال أحد أفراد الطاقم: laquo;إن الخطأ خطأهم، لماذا يأتون بالأطفال إلى أرض المعركةraquo;! وقد دحض هذا الشريط كل ادعاءات جيش الاحتلال بأن القتلى كانوا قد فتحوا النار أو أنهم يحملون أسلحة، كل ما كان يحمله الصحافي من laquo;رويترزraquo; (نمير نور الدين)، والذي قُتل في هذا الهجوم هو، كاميرته.. وربما كان هو الهدف الأهم للهجوم، فالصور التي كان يلتقطها تظهر الجرائم الوحشية التي ترتكبها القوات الأميركية بحق الأطفال والنساء والمدنيين العزّل، فمن طفل فقد عينه، إلى امرأة عجوز فقدت يدها، إلى صرخة طفلة فقدت أمها الحامل، إلى قتل عالم عراقي هنا، وتفجير طبيب هناك أو مصور أو إعلامي يحاول إظهار ما يجري على الأرض، حتى وإن قتل مع كل هدف عشرات المدنيين من عابري السبيل. فبين عامي 2003 و2009 قتل في العراق 139 صحافيا وهم يمارسون أعمالهم، وأهمية شريط الفيديو هذا أنه يؤكد أن أيا منهم لم يقتل بطريق الصدفة، بل دفعوا ثمن محاولاتهم كشف حقيقة ما يجري على أرض العراق من جرائم عدوانية، وكانوا كلهم من خيرة الإعلاميين والمصورين والصحافيين، الساعين إلى كشف الحقيقة، في وقت سعت قوات الاحتلال الأميركي إلى طمس الحقائق وتزويرها وإخفاء ما يدفعه العراقيون من دم وحياة لاحتلال كلف العراق أكثر من مليون من أبنائه ودمر الحياة الأسرية، وجلب الفقر والعوز والمرض والحرب الطائفية لبلد حضارة الرافدين. بالتزامن مع الكشف عن حقيقة هذه الجريمة، وهي واحدة من آلاف جرائم الحرب التي لم يتم تصويرها ولم تصل صورها إلى ضمير العالم، يكشف الجيش الإسرائيلي أن قتل محمد وصالح قواريق في الربيع الثامن عشر من حياتهم في قرية عوراتا في الضفة الغربية laquo;لم يكن ضروريا وكان يمكن تجنبهraquo;، إذ إن الشابين كانا يسيران للعمل في أرضهما حين أعدمهما جنود الاحتلال، وهما يحملان قنينة مياه بلاستيكية فقط. وكذلك كان قتل الجيش الإسرائيلي للطفل محمد قدوس (16 عاما) وقصي قدوس (20 عاما) في قرية عراق بورين في الضفة الغربية، وقبلهما محمد الدرة الذي دخلت جسده الغض 36 طلقة إسرائيلية حاقدة.

استشهاد الشبان الفلسطينيين الأربعة في نابلس الشهر الماضي، اعتبرته قوى الاحتلال خطأ تكتيكيا ونتيجة نواقص في استعدادات قوات الاحتلال!! أما في يوم 16 مارس (آذار) 2010، فقد ألقى جنود الاحتلال الشاب عبد الله أبو لطيفة من الطابق الرابع بعد أن أشبعوه ضربا وركلا.

كل هذه الجرائم الوحشية هي غيض من فيض مما يعانيه عرب فلسطين منذ أكثر من ستين عاما على يد نظام الفصل الصهيوني.

الإسرائيلية عنات كام سرّبت وثائق عسكرية سرية تضمّنت أوامر بإعدام فلسطينيين، وتم تسليمها إلى الصحافي يائير بلاو المشهور بكشف جرائم الجيش الإسرائيلي، وهو الآن مختبئ في بريطانيا خوفا من ملاحقات فرق الموت الإسرائيلية. وكانت عنات كام التي تعمل في مكتب قائد الجبهة الوسطى للجيش الإسرائيلي التي تشمل الضفة الغربية بقيادة الجنرال يائير نافيه، عندما حصلت على نحو ألفي وثيقة مصنفة laquo;سرية جداraquo;، تضمنت معلومات عسكرية عن الأعوام 2005 - 2007 وسلمتها إلى الصحافي يائير بلاو من laquo;هآرتسraquo;. ومن القضايا التي كشفها هي الأوامر العسكرية حول قمصان يرتديها جنود من لواء جبعاتي رسمت عليها صورة امرأة فلسطينية حامل وكتب تحتها laquo;رصاصة واحدة تقتل اثنينraquo;. كما كشف التقرير أن الجيش أصدر قرارات إعدام بحق فلسطينيين، وأن كبار قادة الجيش، بمن في ذلك رئيس الأركان غابي اشكنازي وقائد لواء المنطقة الوسطى يائير نافيه صادقوا عليها، ويذكر أن فرق الموت الإسرائيلية اغتالت مئات المدنيين منذ بدء الانتفاضة سنة 2000 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2008 كانت جثثهم تسلم دون أعضائها التي كان يتاجر بها ضباط الجيش الإسرائيلي عبر العالم.

ويُظهر التقرير أن الجنرالين نافيه واشكنازي المعروفين بجرائم الحرب الوحشية في غزة ولبنان، صادقا على اغتيال الشابين زياد صبحي محمد ملايشة وإبراهيم أحمد عبد اللطيف عابد اللذين أُعدما قرب قرية دان شمال غرب جنين في الضفة الغربية.

واللافت في الأمر، أن النقاش الدائر في الولايات المتحدة اليوم حول تسريب شريط الفيديو في مقتل الصحافي نمير نور الدين في العراق وزملائه الـ12، والنقاش الدائر حول عنات كام ويائير بلاو، هو حول كيفية تسريب هذه المعلومات إلى الصحافة والإعلام، ولكن النقاش لم يأخذ منحى قدسية حياة المدنيين العرب وحجم الجرائم المرتكبة بحقهم، وخطورة هذا التوجه، والذي أثبتته الأحداث مرارا وتكرارا، أن قرارات الاغتيال والتعذيب والمجازر تتخذ على أعلى المستويات في إسرائيل والولايات المتحدة، ومن ثم يتم افتعال الأحداث التي تضمن اغتيال وقتل هؤلاء، ويقابل قتلهم بالفرح، إذ إن تسريبات مماثلة أظهرت أن جنود الاحتلال الإسرائيلي يشربون كأس أطفال فلسطين الذين قتلوهم في ذلك اليوم، ويطلقون عبارات مماثلة لعبارة أفراد طاقم طائرة الأباتشي في العراق: laquo;الخطأ خطأهم، لماذا يأتون بالأطفال إلى ارض المعركةraquo;. لا بل إن جزءا من النقاش، هو حول حرية الإعلام وعظمة هذه الحريّة التي تسمح لموقع laquo;ويكيليكزraquo; بعرض مثل هذا الشريط، وليس عن رعب وخطورة وهمجية ارتكاب مثل هذه الجرائم.

أما المجرمون فإنهم يفلتون دوما من العقاب، لأن قدسية حياة الإنسان التي تصونها جميع الديانات والشرائع الدولية، لا تنطبق على العرب، وذلك نتيجة العنصرية الحاقدة القادمة أصلا من الغرب لاستئصال العرب من ديارهم وقتل أطفالهم وعلمائهم وصحافييهم، الذين يجرؤون على الكشف عن حقيقة ما يجري. وبالتزامن مع هذا كله، تنشر جريدة laquo;التايمزraquo; البريطانية وثيقة مفادها أن الرئيس جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعهما دونالد رامسفيلد كانوا يعلمون أن مئات الأسرى في غوانتانامو هم أبرياء، ولكنهم كانوا محتجزين لأسباب سياسية لتوفير الدعاية اللازمة لشن الحرب في العراق.

إن جرائم التعذيب الأميركية المصرح بها رسميا في سجن أبو غريب، وما ينكشف اليوم عن أبرياء في سجن غوانتانامو لسنوات طويلة، وما أطلقه موقع laquo;ويكيليكزraquo;، وما كشفته عنات كام ويائير بلاو، هي مؤشرات بسيطة فقط لجرائم العنصرية الصهيونية التي تكشف جوهر السياسة الإسرائيلية والأميركية وجلبت عار جرائم الحرب الوحشية لتاريخهما مهما تبجحوا عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، والغريب في الأمر، هو أن الغرب يتلقى أخبار مقتل مئتي عراقي، وألف وأربعمائة فلسطيني في غزة، وكأنّه خبر عادي رغم استخدام الفوسفور والقنابل، وآخر أدوات القتل والتعذيب بذريعة محاربة الإرهاب.

أوليس من حقنا أن نستنتج، أن مخطّطات القتل والاغتيال المصادق عليها رسميا من أعلى السلطات الإسرائيلية والأميركية، هي المحرّض والمحرّك للإرهاب، وأننا نحن العرب في بلداننا ضحايا إرهاب ممنهج ومدروس وعنصري؟

في الذكرى السابعة لسقوط بغداد، يتوجب على العالم إعادة قراءة كل ما جرى في سنوات العقد الأول من القرن الحالي التي فتحت صندوق الباندورا على مصراعيه، فانتشرت الشرور التي تُلصق بالديمقراطية، وكل ذلك بهدف laquo;حماية أمن إسرائيلraquo;. إن هذا أقلّ ما يجب فعله كي لا تذهب دماء ملايين الأبرياء واليتامى والثكالى في العراق وفلسطين ولبنان سدى!