هدى الحسيني
في خضم تبادل الاتهامات بين التأكيد والنفي، مَن على اللبنانيين أن يصدقوا، إذا كان الطرفان اللذان يتراشقان الاتهامات فاقدي المصداقية. وقد يكون أفضل ما تستطيع الدول الغربية القيام به للدفاع عن لبنان هو التحذير العلني من مغبة حدوث أمر ما، كي يكسب لبنان فترة هدوء إضافية، وإن كانت هذه الفترة تضع سوريا وإسرائيل وlaquo;حزب اللهraquo; في حالة من الانتظار والتوقعات وإعادة الحسابات.
ما يمكن التأكد منه حتى الآن، أنه لم يتم نقل صواريخ laquo;سكودraquo; السورية إلى الأراضي اللبنانية بعد. لكنها صارت بحوزة laquo;حزب اللهraquo; ولم تعد بحوزة العسكريين السوريين.
كانت قضية laquo;سكودraquo; تتفاعل سرا، وسط معلومات بأن laquo;حزب اللهraquo; يتدرب على laquo;أسلحة استراتيجيةraquo; في سوريا، أي صواريخ laquo;سكودraquo;، وتم توجيه رسائل إلى دمشق بأنها إذا شحنت هذه الصواريخ إلى لبنان فإن إسرائيل ستقصف القافلة، تماما كما فعلت بشحنة الأسلحة الإيرانية إلى laquo;حماسraquo; في غزة، حيث قصفها الطيران الإسرائيلي في السودان.
رسائل التحذير وجهت إلى واشنطن وأنقرة والأمم المتحدة، وقبل أن يعلن الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز عن هذه المسألة، كان عدة رؤساء اتصلوا بالرئيس السوري بشار الأسد كي لا يَقدم على خطوة نقل الصواريخ إلى لبنان. ويقول لي مصدر أميركي مطلع أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أرسلت قبل نحو الشهر رسالة إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (حليف laquo;حزب اللهraquo;) تتضمن التحذير الآتي: laquo;إذا ما وصلت هذه الأسلحة إلى لبنان، فلن نستطيع منع إسرائيل من شن هجوم على لبنان أو سورياraquo;. ويضيف المصدر: laquo;إن الأتراك تكلموا أيضا مع الرئيس السوري، وكذلك فعل القطريون والأمم المتحدة والسيناتور جون كيريraquo;.
السوريون من جهتهم وصفوا هذه الضجة بالأكاذيب، رغم أن السلاح يتدفق يوميا تقريبا من سوريا إلى laquo;حزب اللهraquo;.
laquo;حزب اللهraquo;، والدولة اللبنانية وحلفاء سوريا في لبنان وسوريا يقولون، إن إسرائيل خائفة من قوة الحزب ولهذا تخترع الأكاذيب. لكن إذا كانت خائفة وتخترع الأكاذيب، هذا يعني أنها لن تتجرأ على شن حرب على لبنان، فلماذا إذا التهديد يوميا بأن على لبنان الاستعداد للحرب ما دامت إسرائيل خائفة، ولن تجرؤ على التحرش بلبنان، كما قال الرئيس اللبناني ميشال سليمان في البرازيل؟
الواقع أن الشعب اللبناني خائف من أن يدفع ثمن أكاذيب إسرائيل والأطراف الأخرى كلها. المصدر الأميركي يقول: laquo;إن عدد صواريخ laquo;سكودraquo; التي سلمتها سوريا إلى laquo;حزب اللهraquo; ليس بالمئات، بل قد يكون عشرة صواريخ أو عشرين. وهذه الصواريخ من صنع سوريا التي بدأت تنتجها بكميات كبيرة منذ العام الماضي ويصل مداها حتى 700 كيلومتر وتستطيع أن تقصف المدن الإسرائيلية إذا أطلقت حتى من شمال لبنان. إن هذا النوع من الأسلحة تملكه الدول فقط ، يؤكد محدثي، ويضيف: laquo;إن إسرائيل لن تشن هجوما على لبنان أو سوريا، بل ستقصف القافلة التي ستنقل هذه الصواريخ، وستكون ظاهرة، لأن طول صاروخ laquo;سكودraquo; يبلغ نحو 37 قدما ويزن 1100 رطل. ستقصف القافلة لردع سوريا عن نقل أسلحة استراتيجية إلى لبنان، وهذا يعني أن إسرائيل لا تستطيع الاعتراض على نقل الأسلحة التقليدية من سوريا إلى laquo;حزب اللهraquo;.
وكانت مجلة laquo;جينزraquo; الدفاعية ذكرت في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أن سوريا زودت laquo;حزب اللهraquo; بصواريخ laquo;إم - 600raquo; وهي النسخة السورية عن الصواريخ الإيرانية laquo;فاتح - 110raquo; وتستطيع أن تحمل رؤوسا بوزن 500 كلغ، وتصيب هدفا على بعد 250 كلم، كما زودت الحزب بصواريخ laquo;إيغلا - إسraquo; المضادة للطيران والمحمولة على الكتف.
أسأل محدثي، وهل يريد الرئيس السوري الحرب في لبنان، وحكومته تردد أنها تريد كل الخير للبنان؟ يجيب: laquo;إنه يريد أن يردع إسرائيل واللعبة السورية تقوم على التالي: بقدر ما أستطيع أن أسبب من مشاكل، تزداد حاجة الأطراف الأخرى ليraquo;. سببت سوريا مشاكل للقوات الأميركية في العراق، فباشرت واشنطن إلى الاتصال بها، وأعلنت عن تعيين سفير لها، لكن وصول السفير روبرت فورد قد يتأخر بسبب قصة الصواريخ المثبطة للاندفاع الأميركي.
تتدلل دمشق، لأن كل الأطراف من إقليمية ودولية تريد إبعادها عن إيران، ومستعدة للتغاضي عن كل أعمالها وتدخلاتها. ولهذا يتعرض لبنان لضغوط قوى كثيرة. الأميركيون ليسوا ضد التدخل السوري في لبنان، إذا تخلت سوريا عن دورها المعرقل في العراق، لكن ألا تتسبب في حرب مع إسرائيل في الوقت الذي يعاني فيه الرئيس باراك أوباما وهو يحاول إحياء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.
الإيرانيون أيضا مستعدون لتسهيل نفوذ سوريا في لبنان شرط إبقاء العراق للنفوذ الإيراني، وهذا ما لن ترضاه السعودية التي هي بالمرصاد. وحتى الآن لم تحسم الأمور في العراق. كل الأطراف مستعدة أن تراهن في لبنان على لبنان، لمصلحة سوريا ولإغرائها، ومن أجل مصالح هذه الأطراف في أماكن أخرى. لكن، هناك زاوية أخرى من المنظور الإيراني. تدرك إيران أن laquo;حزب اللهraquo; لا يستطيع تحمل مواجهة جديدة مع إسرائيل. بعد حرب 2006 تمسك الحزب بالنصر، لكن إذا تعمقنا أكثر وأبعد، تلقى ضربة قوية. والملاحظ أن كل تصريحاته عن الحرب تبدأ: إذا ما تعرضنا، سنرد. حسابات إيران كالتالي: إذا وقعت الحرب، حتى ولو بافتعال إسرائيلي، فعلى الحزب أن يرد، وهذا يعني أن إيران ستخسر لبنان، لأن اللبنانيين كلهم لن يقبلوا مرة جديدة أن يقاتل laquo;حزب اللهraquo; ويدمر لبنان من أجل قوة أجنبية.
أما سوريا، فإنها اتخذت قرارا استراتيجيا بجعل laquo;حزب اللهraquo; أهم قوة عسكرية في لبنان، لأنه إذا استطاع الحزب أن يؤذي إسرائيل، فإن إسرائيل ستأتي إلى طاولة المفاوضات مع سوريا.
لكن ما موقف الحكومة اللبنانية في الصفقات التي تجري بين الدول القريبة والبعيدة حول الساحة اللبنانية. الحكومة ضعيفة جدا، والذي ينقذ لبنان هو التحذير الدولي الموجه إلى سوريا. وlaquo;حزب اللهraquo; يريد أن يستمر التوتر الظاهر مع إسرائيل لجعل اللبنانيين يترددون في الحديث عن دمج سلاح الحزب بسلاح الجيش، ويبدو أن الرئيس اللبناني ميشال سليمان ارتكب خطأ بتوسيع طاولة الحوار إلى 19، بحيث تضمحل قوة كل الأطراف الرافضة، وتتاح الفرصة لممثلي laquo;حزب اللهraquo; لإبقاء الحوار طوال فترة حكمه. وهذه قد تكون ضمانة له. لكن، إذا نجحت الأطراف المحلية في إرهاب إسرائيل من محاولة شن حرب على لبنان أو سوريا، يبقى أن أكثر ما يقلق laquo;حزب اللهraquo; المحكمة الدولية. وفي تصريحات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله استهدف أن يردع كل الأطراف في لبنان من توجيه أي اتهام للحزب، وهذا ما لم يفعله أي طرف لبناني بعد. إن القرار النهائي لن يصدر قبل نهاية العام، هذا إذا صدر، وفي النهاية لن يعترف أحد بأنه القاتل أو أنه وراء القتل. قد يكون التركيز على لبنان لأن سياسييه شاءوا أن يبقى الحلقة الضعيفة التي عليها أن تشعر دائما بعقدة الذنب، رغم أن لبنان واللبنانيين سلفوا العرب والفلسطينيين أكثر بكثير من طاقاتهم، لكن الحرب قد تنشب لأسباب لا دخل للبنان بها. ففي واشنطن هناك مستوى عال من التخوف من وقوع الحرب. ليس هناك من سبب محدد، لكن، وكما قال مسؤول أميركي كبير: laquo;إنه يأمل أن يرى منطقة الشرق الأوسط تصل حتى شهر تشرين الأول (أكتوبر) من دون حرب، عندها سيشعر بالراحةraquo;.
قد يكون هذا القول مرتبطا بأن الحروب كثيرا ما تقع في الصيف في الشرق الأوسط، لأن السماء تكون صافية لغارات الطيران ولتصويب الصواريخ! وأسأل محدثي: وهل ستقع الحرب هذا الصيف؟ يجيب: إذا توفرت الفرصة لإسرائيل ستقع، والفرصة هي إقدام سوريا على السماح لـlaquo;حزب اللهraquo; بنقل صواريخ laquo;سكودraquo; إلى الأراضي اللبنانية. ويضيف: بعد شهر أيار (مايو) سنعرف أكثر، لأن التصويت على العقوبات الدولية على إيران متوقع في هذا الشهر وقد يريد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تصوت 15 دولة على المقاطعة ولن يقبل بأن يتغيب لبنان عن التصويت!
التعليقات