أحمد عبدالملك

تفتح ديوانيات الكويت الشهية للحديث الحر وlaquo;الحارraquo; في آن واحد! ومن دون أن يدخل المرءُ دوائر الخوف والتردد من رقيب أو جاسوس أو زائر ليل.
كنت الأسبوع الماضي في الكويت، حيث حضرت نقاشات الملتقى الإعلام السابع، والتي سأتناولها لاحقاً، ولكن نقاشات ديوانيات الكويت كانت أكثر سخونة من تنظيرات الأكاديميين والمهنيين.
في إحدى الديوانيات طرح سفيرٌ قديم قضية تشرذم الليبراليين العرب، وعدم اتفاقهم على مبادئ محددة تمكنهم من الإيغال في مشاعر وعقول الجمهور العربي. في مقابل كثافة حضور التيارات الأخرى، وأهمها التيارات الإسلاموية، التي اجتذبت نحوها ملايين الناس على اتساع العالم العربي والإسلامي؛ بحيث أخذوا يشكلون ظاهرة ثقافية واضحة، لم تكتف بالحضور الإعلامي فحسب، بل وصلت إلى البرلمانات وأصبحت ناطقاً رسمياً للعديد من الشعوب.
وبعد أن ظل الحضور في الديوانية - وجُله من الليبراليين - يتعارض وينفنّد لأكثر من ساعة - لم نتمكن من التوصل إلى أسباب laquo;عدم الثقةraquo; أو laquo;حسن سلوك الليبراليةraquo; في المخيال العربي.
وبرأينا أن ضعف التيار الليبرالي يعود في الأساس إلى ظاهرة laquo;النخبويةraquo; التي رافقت قيام التيار، والتي لم تقترب من الشارع العربي، طبقاً للحالة laquo;التنظيريةraquo; لا التنظيمية التي يتميز بها أصحاب التيارات الإسلاموية.
لذلك، فإن المجتمعات العربية تتردد في قبول الأفكار الليبرالية على اعتبار أنها بضاعة أجنبية، ومن الاسم (ليبرالية) تنفر تلك المجتمعات.
كنت في جلسة مع أصدقاء، وتطرق الحديث إلى مسألة دينية، وطُلب رأيي فيها! فما كان من أحد الأصدقاء إلا أن صرخ: لا لا تسألوا أحمد إنه ليبرالي!؟ وهنا تيقنت أن المصطلح laquo;ليبراليraquo; يقابله مصطلح laquo;كافرraquo;، ولكأن الليبرالية تقابل الدين أو الإيمان. وتلك معضلة كبرى يعاني من العقل العربي والثقافة العربية عموماً.
كما أن الحكومات لا تثق بالتيار الليبرالي أو مشروعاته - مهما كانت ناجعة ومؤثرة - قدرَ ثقتها بالتيارات الإسلاموية التي لها laquo;سحرraquo; البيان وطلاوة التأثير على الجماهير. وبالتالي لا يحظى التيار الليبرالي بأي ترحيب أو اهتمام مقارنة بما تحظى به التيارات الإسلاموية، التي تستطيع السيطرة على مشاعر وعقول الجماهير عبر laquo;عزفهاraquo; المستمر والشجي على الوتر الديني، وهو وتر مقدس في سيمفونية laquo;اللعبة السياسيةraquo; التي لا يشعر بنشازها أي إنسان إلا إذا كان من خارج الدائرة، أو خارج المقام.
وكان رأينا المتواضع أن الجبهات الإسلاموية أكثر تنظيماً وأكثر ثراءً وأكثر حكمة في تداول الشأن العام. كما أن هذه الجبهات لها كيانات حقيقية - كالجمعيات الفاعلة التي عبر الأعمال الخيرية وتوزيع الإعانات تحظى بقبول أكثر الناس المعوزين - في الوقت الذي تحتل فيه مكانة فاعلة عبر هياكلها الافتراضية عبر الإنترنت. laquo;يشير أحد الباحثين إلى أن الخبراء يقدرون عدد المواقع الالكترونية الخاصة بالفئات الجهادية يزيد على 4500 موقع. وأول هذه المواقع بدأ في الولايات المتحدة وأنشئ عام 2000 خصيصاً للقاعدةraquo;.
(عبدالباري عطوان. القاعدة.. التنظيم السري. 2007). ناهيك عن المواقع الإسلامية الأخرى التي لا حصر لها. إضافة إلى الفضائيات الإسلاموية التي تعبّر عن وجهات نظر ماليكها أو المنفقين عليها، وإن كان بعضها يثير الغبار فقط ولا يؤثر في الرأي العام التأثير الإيجابي. المهم في القضية أنه لا يوجد laquo;توحّدraquo; أو تجمّع الكتروني للجماعات الليبرالية، بل ولا توجد فضائيات تعبّر عن أحوالهم ومبادئهم السامية. فهم كما أصفهم (يتامى) وسط كثير من الأبناء المُعترف بهم. إن الانتخابات التي جرت مؤخراً في الكويت والبحرين لا تختلف فيها الصورة عن الموضوع الذي شرحناه آنفاً.