نظام مارديني

على وقع سباق الكتل العراقية الكبيرة، التي فازت في الانتخابات التشريعية، استعداداً للوصول إلى تشكيل الحكومة ورئاستها، أو لنيل حصتها فيها، مرت الذكرى السابعة لاحتلال العراق من قبل قوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بدون ضجيج من قبل من وصل إلى حكم العراق حاملاً لواء التنظير للاحتلال الأميركي، خصوصاً في جوانبه الفكرية والاجتماعية والثقافية.
من الطبيعي أن يُنظر إلى احتلال العراق باعتباره حرباً دولية تدور في إطار استراتيجيّة - أميركية يُراد من ورائها إيجاد quot;مستعمرة quot; تحكمها سلطة حليفة مطواعة قادرة على التكّيف مع المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وتكون بديلاً استراتيجياً مستقبلياً عن إيران (الشاه) والسعوديّة ومصر. ولذك يشبه احتلال الأميركيين للعراق إلى حد كبير من حيث غاياته، الخطط الإنكليزية - الفرنسيّة (سايكس ـ بيكو) قبل وبعد الحرب العالمية الأولى التي هدفت إلى تقسيم وحكم الهلال الخصيب، وإقامة الكيان الاستيطاني على أرض فلسطين. وقد جاء احتلال العراق من هذا المنحى لضمان سيطرة الشركات النفطية الأميركية، ومن ثم تدفّقه للأسواق العالمية من جهة. وأيضاً لضمان أمن quot;إسرائيلquot; وجعل quot;الإرهابquot; عدواً ينطلق من الدول العربية والإسلامية بعدما كان ينطلق من الاتحاد السوفياتي قبل سقوطه السوريالي الكبير.
وإذا كانت الحرب على العراق قد أكدت خلال هذه السنوات السبع، وكما رأت صحيفة quot;الغارديانquot; البريطانية، باعتبارها أفظع عمل إجرامي للغرب في العصور الحديثة، وهو ما سنحاول الإضاءة عليه في مقالاتنا المقبلة، إلا أن موضوعنا الآن ليس الحديث عن الاحتلال وتداعياته الخطيرة على العراق والمنطقة، بل الإضاءة على ما وصل إليه النقاش بين المكونات السياسية العراقية لتشكيل الحكومة المقبلة: هل هي برئاسة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي أم رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي. ومن هي القوى التي ستتحالف لتشكيل هذه الحكومة، وفي أي موقع سيكون دور الكتلة الكردستانية في ذلك؟
من يتابع اتجاهات الكتل السياسية الكبيرة وتنقلاتها بين quot;القائمة العراقيةquot; إلى quot;دولة القانونquot; إلى quot;الائتلاف الشيعيquot; وquot;التحالف الكردستانيquot;، لا بد له من ان يتوقف أمام ما تم كشفه من توجه كل من علاوي والمالكي للقاء يجمع بينهما ويكون مقدمة لتشكيل ائتلاف حكومي، بالاتفاق مع الكتلة الكردستانية أو الائتلاف الشيعي، إلا أن هذا التوجه سرعان ما يعيد إلى الذاكرة تلك الاتهامات المتبادلة بين القوى ذاتها التي شاركت في الانتخابات التشريعية، وقد كان لافتاً ذلك الوقت تأكيد علاوي العلماني بأنه لن يسمح للقوى التي مارست الطائفية والعرقية في حكم بلاد الرافدين في المرحلة المقبلة، وهو يقصد بذلك المالكي والحكيم والأكراد، ولكن السؤال الذي يطرحه المراقبون هو: ماذا حصل لكي يسعى علاوي للتوافق والمحاصصة مع هذه الكتل الآن؟ وكيف سيحل مسألتي الطائفية والعرقية العميقة الجذور.
صحيح أن علاوي تبنى هدفين رئيسيين: الأول وهو المصادقة على العملية السياسية، وإعادة الاتزان لها. والثاني بناء الدولة، وبناء المؤسسات على أساس الحرفية، والتكامل، والولاء للدولة. ولكن علاوي ذاته لم يقل لنا كيف سيتجاوز مسألتي الطائفية والعرقية الضاربة جذورها في الأفراد والجماعات، منذ وضع مندوب الاحتلال بول بريمر دستوره الملغوم؟
لقد طرح علاوي نفسه على أنه حامل لواء التغيير، وألزم نفسه بالخروج من نفق المحاصصات إلى فضاء الحكم الرشيد، ولكن كيف سيتحقق له هذا الأمر من دون التحالف مع قوى طائفية وعرقية، قرر محاربتها بعدما أعلن تمرده الصريح على منطقها في المحاصصة واشتراطاتها اللئيمة؟
يدرك المراقب أن التركيبة المعقّدة للعراق تفرض ضرورة وحدته واستقراره من خلال منظومات سياسية واقتصادية واجتماعية تتمتّع بأهليّة حقوقية وقانونيّة قادرة على تحقيق المصالح الوطنية في إطار توازن القوى إقليميا ودولياً.