لندن

يمثل الكاتب والحقوقي الكويتي محمد عبد القادر الجاسم، بعد غد الاثنين، للمرة الثانية امام قاضي محكمة الجنايات لمواجهة اتهامات تتعلق بكتاباته في موقعه الالكتروني 'ميزان'. وصباح الاربعاء الماضي زارته عائلته في محبسه، بعد انقضاء يومين على انقضاء مدة الحبس الاحتياطي (21 يوما) بقرار من النيابة العامة، ولم يصدر اي قرار جديد بمواصلة حبسه.
ورغم ان النيابة منعت وسائل الاعلام من نشر اي اخبار عن الجاسم والتحقيق معه ومحاكمته، فقد اصدرت عائلته بيانا نشر في موقع 'الآن' الذي يشرف عليه وزير الاعلام السابق الدكتور سعد بن طفلة. اشار البيان الى تعامل غير قانوني مع الجاسم، اذ تم حبسه 'بصورة غير قانونية في احد عنابر السجناء المحكومين في قضايا امن الدولة وليس في المكان الذي حدده قانون السجون لمن هم في مثل وضعه 'كسجين رأي'.
وكان قرار النيابة العامة اتهم الجاسم بـ'الطعن في حقوق الامير وسلطته وعاب في ذات الامير وتطاول على مسند الامارة'، وبأنه 'اذاع عمدا في الخارج اخبارا وبيانات واشاعات كاذبة ومغرضة حول الاوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأنها 'اضعاف هيبة الدولة' و'الاضرار بالمصالح القومية للبلاد'. واذا مضت المحاكمة كما هو مخطط لها، فان الجاسم يواجه السجن لمدة تصل الى 18 عاما.
ولفتت العائلة في بيانها الى وجود 'تعنت واضح' في الاتهام الموجه الى الجاسم من وزير الديوان الاميري الشيخ ناصر صباح الاحمد (نجل الامير)، لانها تتناول كل مقالاته وكتبه منذ العام 2005 الى الآن. وبعدما اشارت الى مخالفات عدة في اجراءات المحاكم. ناشدت الشعب الكويتي 'الوقوف معها ورفض الظلم والتعسف الواقعين عليه'، كما طالبت رئيس مجلس القضاء الاعلى ورئيس المحكمة الطلبة 'رفع الظلم الواقع على سجين الرأي نتيجة ممارسات غير قانونية ذات دوافع سياسية، مما قد يؤدي الى الاساءة الى سمعة القضاء الكويتي الذي نحرص على احترامه وتقديره ورفض اي اساءة اليه'.
وقالت شقيقة الجاسم ان التهم الموجهة إليه سياسية وطالبت بالافراج عنه.
ونقلت وكالة رويترز عن شقيقته صبيحة عبد القادر الجاسم قولها خلال زيارة للندن 'نحن نطلب اطلاق سراحه واسقاط جميع التهم الموجهة اليه' وقالت ان التهم جميعها سياسية لانتقاده الحكومة.
واضافت ان ما ترغب في ان تقوله للعالم هو ان محمد عبد القادر الجاسم محام ومؤلف وانه لا يمكن ان يخرق القانون في اي حال من الاحوال في اي شيء يفعله او يكتبه. وقالت انه يمارس حقه الذي اعتادوا على استخدامه في الكويت في حرية التعبير وحرية الكتابة وحرية النشر.
وقالت صبيحة عبد القادر الجاسم ان انتقاد اخيها للحكومة على موقعه الالكتروني وفي عديد من الكتب كان دافعه حب بلده وليس التخطيط لحملة لتغيير نظام الحكم.
ويتمتع الجاسم بسمعة ومصداقية جيدين في اوساط الكتاب والحقوقيين الكويتيين، اذ ينسبون اليه الفضل في 'رفع سقف النقد للحكومة والدولة'، وبات موقعه 'ميزان' منذ اطلقه في 3 حزيران (يونيو) 2005 محط انظار الكويتيين والخليجيين وقد زاد الاهتمام به مطلع 2006 بعد وفاة الامير السابق جابر الاحمد ونشوب ازمة حكم انتهت بتسلم الشيخ صباح الاحمد الامارة بدلا من الشيخ سعد العبد الله الذي اصرّ الجناح المؤيد له على ضرورة مبايعته اميرا رغم ظروفه الصحية.
وطوال السنوات الثلاث الماضية استطاع الحكم ان يتعايش مع كتابات الجاسم وانتقاداته السياسية والدستورية، وبالاخص مع كتابه 'آخر شيوخ الهيئة' الذي تناول فيه ازمة الاسرة الحاكمة. الا ان اشتداد الضغوط على حكومة الشيخ ناصر المحمد وانقسام اجنحة الاسرة في الموقف منها وكذلك حملات بعض تكتلات مجلس الامة عليها ادى على ما يبدو الى اتخاذ 'قرار عائلي' بضرورة معاقبة الجاسم وجعله عبرة لمن يعتبر، خصوصا انه لا يستند الى قبيلة ولا الى تيار سياسي ذي نفوذ شعبي.
ومنذ منتصف 2009 بدأ الجاسم يركز في كتاباته على وجود خطر على الوحدة الوطنية، محذرا من تهميش القبائل. وقبل عشرة ايام من اعتقاله كتب عما وصفه بمشروع السقوط، قائلا ان 'الدولة تتفكك مع الأسف، ولا استبعد اطلاقا ان نتجه نحو نوع من المواجهة غير المحمودة، اذ لا يمكن ان تمر مخططات خبيثة كمخطط ضرب الوحدة الوطنية والانقلاب على نظام الحكم الدستوري وتفتيت المجتمع وتصفية الدولة من دون رد فعل'. وبذلك كان الجاسم يعبر بالرموز عما تتحدث عنه الديوانيات الكويتية وبات يختصر بتصاعد النفوذ الايراني خصوصا في محيط رئيس الوزراء. لكنه لم يكتف دائما بالرموز بل كتب اكثر من مرة عن النفوذ المتنامي لاحد المقربين من الشيخ ناصر المحمد، وهو محمود حيدر، حتى انه عنوان احد مقالاته 'الا لعهد الحيدري'. ومع اكتشاف شبكة التجسس الايرانية اخيرا، ازدادت حساسية الحديث عن ايران ورموزها داخل الكويت.
وفي مقالين توجه بأحدهما الى الامير وبالآخر الى رئيس الوزراء وصف الجاسم عمليا ما يخطط له من 'قضية سياسية كيدية'، اذ سأل الشيخ صباح 'هل تقبل ان يطلب من مواطن كويتي، ولو من باب النصيحة، مغادرة وطنه الكويت لتحاشي الظلم'، وكتب ان صديقا نقل اليه رسالة من احدهم مفادها 'الجماعة خلاص ناوين عليك وينصحك بمغادرة الكويت'. واضاف ان احد الوزراء من الشيوخ قال لبعض اصحابه 'خلاص القرار السياسي بحبس الجاسم اتخذ'، وان وزيرا آخر من الشيوخ ايضا قال 'قاعدين نحضّر قضية حق الجاسم وراح نركعه على ركبه'. اما بالنسبة الى الشيخ ناصر فقد سأله في المقال: 'هل نتعرض لابتزاز طرف اجنبي؟' وكان مفهوما انه يعني ايران. وفي مقال آخر تساءل: 'هل يمكن فصل التقارب الكويتي ـ الايراني عن التباعد الكويتي ـ السعودي؟'، لكنه يذهب ابعد في مقال 'عهد الأغا' ويقول: 'في الوقت الذي تمر علاقة الكويت مع ايران في افضل حالاتها، بالنسبة لايران طبعا، فان هناك مؤشرات على ان علاقة الكويت بالسعودية تعاني من بعض المطبات، ويبدو لي ان تلك المطبات مرتبطة بالتقرب الكويتي المبالغ فيه نحو ايران تحت وهم ان هذا التقرب ربما يخفف الغضب الايراني عليها في حال تعرضها لعمل عسكري امريكي او اسرائيلي'.
وعدا القضية التي اقامها وزير الديوان الاميري ضد الجاسم، هناك دعاوى عدة ضده من رئيس الوزراء الشيخ ناصر ومن محمود حيدر وكذلك صحيفة 'الدار' التي يتهمها الجاسم بانها استخدمت للقيام بحملة عليه. ويذكر ان لقاء شعبيا حاشدا اقيم للتضامن مع الجاسم يوم 27 ايار (مايو) وتحدث نواب وسياسيون من تيارات مختلفة، وهناك لجنة تضامن تتابع قضيته لكنها تعاني بشكل ملموس من القرار القضائي بحظر النشر عنه.
وتجدر الاشارة اخيرا الى ان بيان عائلة الجاسم، الصادر الاربعاء الماضي، نبه الى معاملة سيئة يتعرض لها، اذ ان احد الضباط هدده بايقاع الاذى به خلال نقله من السجن المركزي الى المحكمة وعن اعادته، وقد كبلت يداه الى الخلف وكذلك رجلاه، وعصبت عيناه، كما في معسكر غوانتانامو. وفي بداية اعتقاله في 11 ايار (مايو) كان اضرب عن تناول الطعام والدواء، وعندما ساء وضعه نقل الى المستشفى حيث كبلت رجلاه الى السرير.
الى ذلك عبرت وزارة الخارجية الامريكية يوم الخميس عن قلقها بشأن قضية المدون والصحافي محمد عبد القادر الجاسم وقالت ان التهم الموجهة اليه سياسية وطالبت بالافراج عنه. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية بي. جيه. كراولي 'نحن قلقون بشأن هذه القضية واثرنا قلقنا مع الحكومة الكويتية'.
وأضاف 'قدرة مواطني اي دولة وصحافييها على بحث ومناقشة ونقد افعال الحكومات بحرية وقوة لا يهدد المصالح القومية. انه .. يجعل الحكومات افضل واكثر عرضة للمحاسبة'.