عمر عبد العزيز

هذا العنوان ليس من بنات أفكارنا، بل هو ما استنتجه المحققون التابعون لمنظمة حقوق الإنسان الدولية، التي أوفدت مراقبيها إلى منطقة laquo;جعْولةraquo; في محافظة laquo;أبْينraquo; اليمنية، والتي كانت مسرحاً لضربة صاروخية جوية أودت بحياة 55 فرداً أغلبهم من النساء والأطفال.

حدث ذلك في ديسمبر الماضي، وحينها قالت وزارة الداخلية اليمنية إن تلك الضربة الجوية قام بها الطيران اليمني، مستهدفاً قاعدة تدريبات خاصة بتنظيم القاعدة، وبرر نائب رئيس الوزراء رشاد العليمي سقوط الضحايا المدنيين قائلاً: إن المدنيين كانوا منخرطين في خدمة عناصر القاعدة كمُستخدمين معهم!

وقد أفضت تلك الضربة الجوية الفاشلة عملياً، إلى احتدام الموقف في البرلمان اليمني الذي طالب بتشكيل لجنة تحقيق، ومعاقبة المسؤولين الذين تسببوا في سقوط الضحايا الأبرياء، وتعويض أُسرهم على ما حاق بهم من ظلم.. غير أن شيئاً من هذا لم يحدث حتى اللحظة!

إلى هنا والموضوع يبدو يمنياً صرفاً، والجدل فيه ذو صلة بالداخل اليمني، لكن منظمة حقوق الإنسان الدولية قلبت الموازين رأساً على عقب، عندما صرحت بأن الصواريخ التي استخدمت في الهجوم كانت من نوع كروز وتوماهوك التي لا يملكها سوى الجيش الأميركي، وأن أسلحة عنقودية محرمة دولياً استخدمت أيضاً في الهجوم!

إذا صح ما تقوله المنظمة الدولية، فإن وزارة الداخلية اليمنية ستكون مُتهمة بالكذب على الشعب اليمني والعالم، كما سينكشف مدى العنجهية الأميركية ومفارقتها المطلقة لكل قوانين الكون، وهي ترمي بصواريخ بعيدة المدى من أعالي البحار صوب أراض يمنية، بحجة استهداف تنظيم القاعدة.

وهو ما يذكرنا بما حدث عندما استخدت العسكرية الأميركية طائرات من دون طيار لقصف أهداف في الداخل اليمني، الأمر الذي أحرج السلطات اليمنية وحاولت نفيه، لولا أن متحدثاً عسكرياً باسم القوات الأميركية في جيبوتي، أعلن أنهم أنجزوا خطة التخلص من laquo;الإرهابي الحارثيraquo;، بواسطة طائرة من دون طيار انطلقت من القاعدة العسكرية الأميركية في جيبوتي.

ماذا يعني كل هذا؟ وكيف يمكن تفسير هذا التجاوز الفادح لمفهوم السيادة؟ وهل يمكن أن تكون السلطات اليمنية عليمة بما حدث ويحدث؟ ولماذا السكوت وعدم الرد على المنظمات الدولية التي تدعي أن أميركا استخدمت صواريخ كروز وتوماهوك في الداخل اليمني؟ يتساوى في عدم الرد والتفنيد لهذه الادعاءات الجانبان الأميركي واليمني.

ما حدث ويحدث في اليمن، يذكرنا بما يحدث عملياً ويومياً في أفغانستان وباكستان. والإيغال في هذا السلوك المجافي للقوانين الدولية المتعارف عليها، هو ما شجع إسرائيل على القيام بفعلتها الأثيمة تجاه قافلة الحرية، وما يشجعها تباعاً على التهديد بمهاجمة أية سفينة مدنية تقرر الذهاب إلى غزة.

والجديد المُرعب في الموضوع، أن إسرئيل تهدد بمهاجمة كل سفينة تتجه نحو غزة في أعالي البحار والمياه الدولية، حيث لا سيادة لأحد على تلك البحار! القانون الدولي يعتبر السفن والطائرات المحلقة خارج الحدود الاقليمية للدول، محكومة بالقوانين الوطنية للدول المالكة لتلك السفن والطائرات، ولهذا يمكن لأية دولة أن تبحر بأمان في تلك المياه الدولية، بل وأن تحمي سفنها عسكرياً بوصفها جزءاً لا يتجزأ من سيادة الدول المالكة لها.

إيران قررت أن ترسل سفناً مدنية إيرانية إلى غزة وأن تحميها بسفن عسكرية، وإذا ما قامت إسرائيل بهجوم عليها، فإن حرب إيران وإسرائيل ستنتقل الى أعالي البحار، حيث لا سيادة لأحد على الآخر.

الخروقات الأميركية الإسرائيلية للقوانين الدولية الضابطة، إشارة خطر داهم، والافتراض بأن مصالح هاتين الدولتين تمتد إلى حيث تمتد اليد، يذكرنا بما كان من أمر العتاة اليمينيين في البيت الابيض الذين سطّروا قبل حين فكرة امتداد المصالح الأميركية إلى حيث تمتد يد الولايات المتحدة، وبالتالي شرْعنة تدخل أميركا في أي مكان دون إذن من أحد، ودونما عودة للمرجعيات الدولية الحاكمة لهذه التصرفات. حدث هذا في العراق ويوغسلافيا السابقة وأفغانستان، ويحدث الآن في باكستان واليمن والصومال.

ما حدث في laquo;أبْينraquo; اليمنية يتطلب توضيحاً من قبل السلطات اليمنية حتى يأمن الناس على حماية دولتهم، وحريتهم في أرضهم، فلا يُعقل أن تباشر صواريخ التوماهوك والكروز الأميركية قتل اليمنيين جهاراً نهاراً، دونما رد مناسب من قبل الدولة.

مكافحة الإرهاب في اليمن شأن يخص الدولة اليمنية لا الأميركان، وما حدث في أبْين ـ إذا تأكد ـ إشارة إضافية لمنطق لا يصمد أمام الحقائق.