أسامة عبد الرحمن

بدأ أوباما عهده في الإدارة الأمريكية بالظهور بأنه مختلف نهجه عن نهج سلفه الذي أثار مزيداً من الكراهية للولايات المتحدة الأمريكية، وزاد تشويه صورتها، وأشعل الحروب وانشغل بالمغامرات العسكرية، ولذلك بدا خطابه أكثر عقلانية وموضوعية، وأكثر هدوءاً وتعقلاً، وربما أضفى ذلك ارتياحاً على مساحة كبيرة من الساحة العربية . ثم إن إيلاء قضية الشرق الأوسط، قدراً من اهتمامه، رغم انغماسه في تركة ثقيلة وصعبة من تداعيات الحروب في العراق وأفغانستان، وتداعيات الأزمة المالية العاصفة التي كانت لها وطأتها على الاقتصاد الأمريكي كان مدعاة للارتياح أيضاً في الساحة العربية، والفلسطينية على وجه الخصوص، خصوصاً عندما طالب بتجميد الاستيطان .

ولكن بعد مرور فترة وجيزة بدأ يتلاشى ذلك الشعور بالارتياح في الوسط العربي والفلسطيني خصوصاً أن إدارة أوباما بدأت تتراجع عن الوعود التي أطلقتها، وكان موضوع تجميد الاستيطان واحداً منها . إذ إن الإدارة الأمريكية تخلت عن قضية تجميد الاستيطان وصرفت النظر عنها، بل واعتبرت تمسك المفاوض الفلسطيني بها قبل بدء أي مفاوضات شرطاً مسبقاً لا يحسن القبول به بل يجب التركيز على بدء المفاوضات التي من خلال وصولها إلى حل ستحل موضوع الاستيطان، وبدا ذلك بمثابة استجابة للتوجه الصهيوني الذي استمر في التوسع الاستعماري، وبناء المزيد من المستعمرات الصهيونية على الأرض الفلسطينية التي يؤمل أن تكون أرض الدولة الفلسطينية الموعودة في إطار حل الدولتين .

وبدا المفاوض الفلسطيني الذي أعيته عبثية المفاوضات مع الكيان الصهيوني على مدى سنوات طويلة مع ازدياد وتيرة بناء المستعمرات خلالها وكأنه ممسك بقضية ليس لها سند أو ظهر بعد أن ارتكز على وعد أوباما بضرورة تجميد الاستيطان، وهكذا تركته إدارة أوباما معلقاً في الهواء مع الضغط عليه بضرورة بدء المفاوضات، أو حتى عبثيتها من خلال السجل الصهيوني الحافل باستغلال المفاوضات لتجميل صورته وممارسة كل ما يجهض أي محصلة للمفاوضات إلا عبثيتها، وترك المفاوض الفلسطيني يدور في ردهاتها وسنينها من دون أي محصلة ملموسة، بل والاستمرار في توسيع المستعمرات الصهيونية، وقضم الأراضي الفلسطينية، وارتكاب كل الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني وأرضه . ويأتي أوباما بعد ذلك ليعلن أن سقف توقعاته كان عالياً، ولذلك أطلق وعوده التي لاقت ارتياحاً عربياً إلى حد كبير، وأنه لم يكن يدرك الصعوبات والتعقيدات في القضية الفلسطينية، أو الصراع العربي الصهيوني، ويبدو أن هذه محاولة لتبرير التراجع المشهود في مواقفه، والتخلي عن وعوده والقبول بالمنظور الصهيوني للقضية، وربما كان مرد ذلك في نظر البعض، أن أوباما لم يستطع مواجهة التعنت الصهيوني، والصلف الصهيوني الذي تمثله الحكومة الصهيونية، إذا اضطر إلى الرضوخ لذلك تحت ضغط قوى الضغط الأمريكي الصهيوني، بدلاً من أن تمارس إدارته الضغط على الكيان الصهيوني حتى يرضخ لتوجهها، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية، بما تملكه من أوراق قوية قادرة على الضغط على الكيان الصهيوني، إن شاءت، ومعروف أنها هي السند الأقوى والحليف الاستراتيجي له ومن دونها لا يمكن أن تقوم له قائمة .

ومن اللافت للنظر أن اعتراف أوباما بأنه لم يكن يدرك تعقيدات القضية يصعب الأخذ به . صحيح أنه وكثيرين ممن وصلوا إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة ليس لديهم معرفة واسعة بالشؤون الدولية لانغماسهم في الشأن المحلي، ولكن من المعروف أن الرئيس الأمريكي يعتمد على رصيد كبير من المعرفة في أي شأن من الشؤون اعتماداً على المستشارين ذوي الاطلاع الواسع، ومراكز الدراسات ذات الخبرة الواسعة، وذلك كله متاح له، وأي توجه لإدارة أمريكية، لابد أن يعتمد على هذا الرصيد المعرفي الكبير . ثم إن الرئيس الأمريكي لا ينطلق من توجهات شخصية أو مشخصنة بل توجهات تعتمد على توازن وتفاعل مؤسسي في دولة تحكمها المؤسسات، وإن بدا الرئيس الأمريكي أو الإدارة الأمريكية في الموقع الأبرز .

ولذلك فإن تعليق النكوص عن وعوده على مشجب عدم الفهم ليس مبرراً وهو يحتاج إلى فهم .