خالد الغنامي

المتعاطفون سيخرجون علينا ليكرروا أسطوانتهم المشروخة أن هؤلاء مساكين مغرر بهم، ولو سألتهم عن عنفهم مع من يختلف معهم، أين ذهب ذاك العنف وكيف تحول إلى كل هذا الحنان مع إرهابي؟! لما وجدوا في جيوبهم لك جواباً

قال لي صاحب ناصح: quot;ما بالكم يا كتاب جريدة الوطن تكتبون عن قضايا الإرهاب، وترهقون أنفسكم بدراسة هذه المعركة الطويلة العميقة الضاربة بجذورها في قلب الصورة الثقافية، وتتحدثون في شأن أمني بحت، وتعرضون أنفسكم لما يتعرض له من يكتب في هذه القضايا وأنتم لا يؤبه بما تكتبون، بل إنكم لم تدعوا أصلاً للحضور ولو كمستمعين في مؤتمر الأمن الفكري؟! مشّوها، فالأجهزة الأمنية هي المسؤول الوحيد عن هذه المشكلة... اكتبوا عن قضاياكم ومشّوهاquot;.
وأنا هنا أثني على كلام هذا الصديق، بأن من يكتب و يكشف المخططات الإرهابية التي تحاك ضد هذا الوطن سوف يتهم بأنه ملحد، سوف يتهم في دينه، سوف يقدح في أخلاقه، سوف يوصف بكل الأوصاف البشعة التي قد لا تخطر على باله، وقد يصل الأمر للاستهداف الشخصي بالخطف والقتل، ذلك لأننا أمام تنظيم معقد بالغ التعقيد، إذ هو ُينسج منذ أكثر من ألف سنة عندما قتل الخوارج علي بن أبي طالب وحاولوا قتل معاوية ففشلوا، منذ ذلك الحين وهذا التنظيم يتمرس ويتعلم من أخطائه في كيفية التعاطي مع قضاياه وخصومه، حتى إن أحد منظريهم المعاصرين ألف كتاباً أسماه (حركة النفس الزكية: كيف نستفيد من أخطاء الماضي) هكذا بكل صراحة، رغم أن حركة النفس الزكية كانت حركة خروج سياسي عسكري على بني العباس من أحد أفراد آل البيت.
قد يصل بهم الأمر إلى الاغتيال كما فعلوا بالكاتب الوطني المناضل الحر الشريف فرج فودة، اتهموه بالكفر والإلحاد أولاً، ثم اغتالوه بيد أحمق تافه لم يقرأ له كتاباً واحداً، ولو قرأ لفرج فودة لوجد أنه مصري وطني صادق، ومسلم يصلي الصلوات مع الجماعة بدليل كثرة انتقاده لما يقال في خطب صلاة الجمعة، وحكايته لقصص حصلت له في المساجد. إنهم يستحلّون الكذب الذي حرمه الإسلام نصاً، من خلال نظرية أتوا بها، أن هذا كذب لنصرة quot;الإسلامquot; ولو كانت لهم عقول لعلموا أن هذا منطق متناقض ولو كانت عندهم أخلاق لعلموا أن نبل الهدف مرتبط بنبل الوسيلة.
في الأسبوع الماضي أعلنت القاعدة أنها ستعود لضرب واستهداف وطننا من جديد إن لم يتم إطلاق سراح هيلة القصير (أم الرباب) والتي جندت نساء كثيرات لينخرطن في تنظيم القاعدة، وحولت أموالا ضخمة تقدر بمئات الألوف من الدولارات، ودعا التنظيم لخطف الشخصيات المهمة لمقايضتهم بالإرهابيين القابعين في السجن، هنا تساؤل منطقي بسيط، لماذا لم تعلن القاعدة هذه الخطة من قبل لمقايضة منظري الإرهاب ومشايخه؟!!
يبدو أن هذا جزء من براغماتية القاعدة، فنحن نعلم أنهم درجات في السلم الحركي، (1) العسكري المنخرط في تنظيم القاعدة ويمارس الأعمال الإرهابية فعلياً، (2) الممول وهو من يجمع المال من مصادره ويقدمها لأعضاء التنظيم، (3) المُجيّش وهو من يستقطب الكوادر الجديدة للانخراط في التنظيم، (4) المنظر وهو من يكيّف حال الإرهابيين ويحاول أن يعطيها صفة شرعية مستمدة من الدين، (5) المتعاطف وهم درجات كثيرة بحسب حجم التعاطف وما يمكن أن يقدمه المنتمي لهذا القسم.
براغماتية القاعدة تبرز هنا في التهديد الأخير عندما سقط في الأسر عضو مهم يمارس الرقم (2) و (3) من أعمال الدعم اللوجستي السابقة، وأنها لم تعلن مثل هذا التهديد عندما سقط رقم (4) ذلك لأن القاعدة طبقت عليهم نص الآية من سورة النساء (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله) وبالتالي تم التخلي عنهم بدم بارد، وهذا هو حال quot;القعدية من الخوارجquot; طوال التاريخ الإسلامي، فالكل يحتقرهم، بما في ذلك الخوارج أنفسهم، لأنهم يحرضون الآخرين على الثورة العسكرية ولا يخرجون ولا يعرضون أنفسهم للخطر وإن وقعوا فيه فعن غير قصد منهم ولا رغبة فيه. المتعاطفون سيخرجون علينا ليكرروا أسطوانتهم المشروخة أن هؤلاء مساكين مغرر بهم، ولو سألتهم عن عنفهم مع من يختلف معهم على قضايا فقهية صغيرة واتهامهم لنوايا المخالف، أين ذهب ذاك العنف وكيف تحول إلى كل هذا الحنان مع إرهابي؟! لما وجدوا في جيوبهم لك جواباً.
دعوني أعود لصديقي فأقول له: إن المسألة لا تحتمل العبارات الرومانسية الرنانة عن حب الوطن ورغبتنا في حياة أفضل لأطفالنا، إنها ببساطة ذلك السطر الشعري العميق الذي خطه شيكسبير على لسان هاملت معلناً أن الأمر يتعلق بالوجود والعدم quot;أن نكون أو لا نكون، هذا هو السؤالquot;.