زهير قصيباتي


للفلسطيني في لبنان الفضل في هدم المتاريس السياسية بين ما بقي من فريقي 8 آذار و14 آذار. له أيضاً الفضل في الوحدة المباغتة للفرقاء المسيحيين، إذا جاز التعبير، وهو جائز بعد يوم الاصطفاف الطائفي في مجلس النواب اللبناني، حيث بدا معسكر laquo;الوجه الحضاري للبنانraquo; في مواجهة صحوة متأخرة جداً على الحقوق الإنسانية ndash; المدنية للفلسطينيين في البلد.

هي مواجهة بين ما سماه زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط laquo;اليمين الغبيraquo;، وما قد يحلو لبعض رموز laquo;الكتائبraquo; و laquo;القواتraquo; وتيار laquo;التغيير والإصلاحraquo; (فريق ميشال عون) إحياء تسميته باليسار المسلم... لتعود الصفحات السود في تاريخ لبنان التي أحرقت الفلسطينيين في أتون الطائفية.

وإذا كان الأمل ألا تصبح ريادة جنبلاط في طرح اقتراحات قوانين، تشرّع للمرة الأولى الاعتراف بالحقوق الإنسانية لنصف مليون إنسان فلسطيني في مخيمات تحاصر آدميتهم، مجرد فورة تبددها laquo;حكمةraquo; المطالبين بالتريث في بت تلك الاقتراحات، فإن مبادرة رئيس الحكومة سعد الحريري الى التساؤل laquo;هل يجوز أن تأتينا الوفود لفك الحصار عن مخيمات بيروتraquo; فيما يذهب لبنانيون للمساهمة في كسر الحصار الإسرائيلي على غزة، إنما تحمّله عبء إبقاء تشريع الحقوق الإنسانية للفلسطينيين بين أولويات حكومته. وذاك ليس مهمة يسيرة، كما يثبت يوم الاصطفاف الطائفي في برلمان انتقل فيروس شبح التوطين الى بعض وجوهه الشابة.

ما الذي تبدل إذاً، ليكف اللبنانيون عن استخدام مصير نصف مليون فلسطيني سلاحاً في تغذية الطائفية، رغم نبذها لفظياً؟ فالتوطين لا يعني لدى المرتعدين منه منذ أكثر من ستة عقود، سوى تغليب المسلمين على المسيحيين عددياً، وبالتالي تبديل laquo;الصيغةraquo; السياسية للنظام. وواضح ان laquo;الغباءraquo; الذي تحدث عنه وليد جنبلاط، إنما يرمي الى التذكير بإصرار أصحابه على تجاهل حقيقة ان الفلسطيني في المخيمات كارهٌ توطينه في سجن كبير، ولو كان لبنانياً.

لا يجدي حتماً نكء جروح الحرب الأهلية في لبنان، ولا فصول حروب المخيمات، و laquo;محرقةraquo; صبرا وشاتيلا، وفيها كلها أُريقت دماء فلسطينية على الأرض اللبنانية وضاع بشر لا يعرف أحد مصيرهم. ولن ينفع كذلك البحث عن كيفية اقتسام مسؤولية الخطيئة، بمقدار ما يحتاج اللبنانيون الى شجاعة الاعتراف بكل ما ارتُكِب ضد الفلسطينيين، باسمهم، وبأن إبقاء laquo;غيتواتraquo; الفقر يحوّل الفلسطينيين متراساً يحتمي به التطرف والإرهاب... فيصبحون دروعاً بشرية، وبعضهم قنابل موقوتة.

قيل في مجلس النواب اللبناني، ان ما يحصل laquo;عيبraquo;، ولا أحد يسأل عن حق الفلسطيني في السكن بعدما دمرت الحرب مع laquo;فتح الإسلامraquo; مخيم نهر البارد، فكيف بحقه في التعلم والعمل والطبابة. في عين الحلوة، كم مرة كان الفلسطيني رهينة لبعض التنظيمات داخل المخيم، و laquo;بحراسةraquo; لبنانية؟ ويصح سؤال أقطاب الحوار اللبناني، الى متى يبقى إجماعهم على سحب والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، إجماعاً على ورق؟ أوليس هذا السلاح من ذرائع laquo;حكماءraquo; مقاومة التوطين؟

في اليوم الماراثوني النيابي، سعت منظمة laquo;بتسليمraquo; الإسرائيلية غير الحكومية إلى تقصي آثار الاستيطان اليهودي على الحقوق الإنسانية للفلسطينيين. ونددت بإفلات القوات الإسرائيلية من laquo;العقابraquo;، بعد كل هجوم على المدنيين.

الفلسطيني هناك ضحية للعنصرية، الفلسطيني هنا ضحية للطائفية التي تلوّح دائماً بسلاح الخوف من التوطين، بلا خوف فعلي على laquo;الوجه الحضاري للبنانraquo;. وإن كان الاعتراف بالمدى الإنساني لاقتراب الطائفية من العنصرية، هو بمثابة قطع لنصف الشوط الى التخلص من خطيئة المخيمات وما يرتكب في حق أهلها، فالاعتراف ذاته ربما يكون بداية الطريق لخلاص اللبنانيين جميعاً من وباء الطائفية... وبداية سليمة للإقلاع عن تحميل laquo;شياطينraquo; العالم مسؤولية كوارثها.

... وأما الاعتذار عما ارتُكِب في حق فلسطينيي المخيمات laquo;الغيتواتraquo;، فطموح إنساني شوطه بعيد، كالمسافة بين لبنان وبريطانيا. لبنان الحضاري، وبريطانيا الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان، والتي لم تجد حرجاً في الاعتذار عن قتل 14 متظاهراً في ارلندا الشمالية، قبل 38 سنة.

آن الأوان لبعضهم في لبنان كي يكفّ عن التلذذ بلعبة التكاذب والخديعة. هل قتل حلم الفلسطيني في المخيمات وحقوقه، أقل بشاعة من أسره في سجن إسرائيلي؟