عدنان السيد
لماذا الضجة حول الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان؟
التزم الدستور اللبناني في مقدمته بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على رفض التمييز بين البشر على أساس الجنس والعرق والدين واللغة، ما يعني أن الأساس القانوني للحقوق المدنية موجود .
إلى ذلك، أقرت جامعة الدول العربية ولبنان عضو مؤسس مجموعة قواعد تنظّم أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في عدد من الدول العربية، بما يضمن العيش الكريم مع رفض توطينهم حيث هم، والتمسك بحق العودة إلى فلسطين عملاً بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الرقم 194 الصادر في سنة 1948 .
لبنان يستقبل منذ العام ،1948 تاريخ النكبة، عدداً كبيراً من اللاجئين، يناهز اليوم 450 ألفاً، مع الإشارة إلى أن عدد المقيمين منهم أقل من هذا الرقم . ونظراً لمحدودية مساحة لبنان، وللاعتبارات الطائفية وما يصاحبها من رغبة بالحفاظ على التوازن العددي بين الطوائف، خضعت قضية الحقوق المدنية للاجئين إلى جدال طويل، ولا تزال تخضع إلى يومنا هذا .
إذا كان بعض المسؤولين في لبنان يعتقد بأن التضييق المعيشي على اللاجئين يدفعهم إلى الهجرة، أي إلى تقليص عددهم في لبنان، فإنه مخطئ . قد يهاجر بعضهم، في وقت يهاجر فيه اللبنانيون طلباً للعمل بعدما ضاقت بهم السبل في بلادهم، بيد أن البؤس الاجتماعي الذي يعيشه اللاجئون يدفعهم إلى التمرد والانحراف وربما الإرهاب . وفي مجمل الأحوال والظروف، يمكن للحكومة اللبنانية أية حكومة أن تضع قواعد محددة للحؤول دون التوطين، بالتزامن مع إقرار وتطبيق القوانين التي تؤمّن الحد الأدنى من حقوق الإنسان، كل إنسان .
لا يجوز على سبيل المثال أن تعيش مخيمات اللاجئين من دون قنوات للصرف الصحي، ومن دون مياه نظيفة صالحة للشرب . ولا بد من تنظيم انتفاعهم بالكهرباء وفق قواعد منصفة . هذه مقدمات لا بد منها قبل الخوض في حقوق أخرى، مثل الضمان الاجتماعي والعناية الطبية، وغير ذلك .
ما جرى في مجلس النواب اللبناني خلال جلسته الأخيرة في الخامس عشر من يونيو/ حزيران، وتحديداً حول الحقوق المدنية للفلسطينيين، يكشف هُزال حياتنا السياسية والاجتماعية . ويعيد إلى الأذهان صور التجاذب الطائفي، غير المبرّر هذه المرة .
هناك إقرار من الحكومات اللبنانية السابقة بالحقوق المدنية، فلماذا التهرّب من الاستحقاقات والمراهنة على عامل الوقت؟
وصورة لبنان في الخارج تضرّرت من هذه المسألة، حتى صرنا نموذجاً لهدر حقوق اللاجئين . هذا لا يجوز في المبدأ، ولا يمكن أن يستمر بينما تمعن ldquo;إسرائيلrdquo; في انتهاك حقوق الفلسطينيين، المدنية والسياسية والإنسانية .
بالطبع هناك رهان عند بعض الساسة اللبنانيين على هذه المسألة الحساسة لاستدرار التأييد الطائفي مع هذه الجهة أو تلك . بيد أن الإمعان في هذا المسلك يسيء إلى اللاجئين وإلى اللبنانيين، بل إلى صورة العرب في العالم .
من حق لبنان أن يرفض توطين جميع اللاجئين . هذا حق وطني، وهذا واجب لبناني وعربي تجاه حماية حق العودة، وصولاً إلى تكريس حق تقرير المصير لشعب فلسطين . المهم أن نعمل سريعاً لإقرار الحقوق المدنية المشروعة للاجئين، بما لا يؤدي إلى التوطين، وبما تتحمله الخزينة اللبنانية من نفقات .
والأهم من كل ذلك، إخراج هذه المسألة من التجاذب الطائفي والسياسي . وإبعادها عن المزايدات التقليدية التي عرفتها وتعرفها بلاد العرب كافة . إنها قضية عادلة تحتاج إلى رعاية خاصة في إطار إنساني قبل أي اعتبار آخر . وصورة لبنان مرتبطة بالتعامل مع هذه القضية بمسؤولية والتزام . وفي مجمل الأحوال، ظل وطننا لبنان مدافعاً عن قضية فلسطين وحقوق شعبها .
التعليقات