مشكلة غابت عن القمة العربية الخماسية في طرابلس


رغيد الصلح

قد تكون القمة الخماسية التي انعقدت يوم الاثنين في الثامن والعشرين من هذا الشهر واحدة من أهم القمم العربية . فالقمة ركزت على موضوع واحد هو إعداد وثيقة لتطوير منظومة العمل العربي المشترك . وهذه الوثيقة سوف ترفع إلى القمة الاستثنائية العربية التي سوف تنعقد في ليبيا خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل . ولتطوير هذه المنظومة أهداف متنوعة قد يكون منها تحقيق الاتحاد العربي، كما جاء في مناقشات المؤتمر، وهو يتسع لأنواع شتى من المشاريع في المجالات السياسية والدفاعية والاقتصادية والثقافية وقد تطرق إليها المؤتمر أيضاً .

هذه الأهداف والمشاريع كانت الشاغل الأكبر للعرب منذ قاربت الامبراطورية العثمانية على التفكك، وكانت هدفاً للوطنيين العرب منذ بداية القرن الفائت . بل إن تحقيق مثل هذه الأهداف الاندماجية بات هدفاً للشعوب في كافة أقاليم العالم، بدءاً من أوروبا، ومروراً بجنوب شرق آسيا وأمريكا الشمالية، ووصولاً إلى أمريكا اللاتينية .

ولما نشأت جامعة الدول العربية في منتصف الأربعينات، كان مفروضاً عليها أن تكون بوابة العرب إلى تحقيق المزيد من التعاضد والتكتل والاندماج بين الدول العربية، ولكنها لم تنجح في تحقيق هذه الغاية . وكان من أسباب وأعراض إخفاقها الإهمال المتمادي للبعد العربي عند بحث قضايا المنطقة . وبدلاً من أن يبقى هذا البعد في الذهن عند بحث هذه القضايا، وبدلاً من الأخذ بعين الاعتبار أن تطوير الترابط والتفاهم والتعاون والتكتل بين الدول العربية يعزز قدرتها على إيجاد حلول عادلة ومنصفة لقضايا فلسطين والعراق ولبنان والسودان، بات من الشائع اعتبار تقوية الروابط العربية وكأنها عامل إرباك يعرقل حل قضايا الأقطار والدول العربية . وبدلاً من أن يكون استنهاض الطاقات العربية وسيلة، على الأقل، لدعم جهود الدول العربية في شتى المجالات، بات استنفار العصبية المحلية (بلدي أولاً) في مواجهة الرابطة العربية وكأنه هو الوسيلة المُثلى لتحقيق هذا الغرض .

ولقد تسلل هذا النهج إلى أعمال جامعة الدول العربية نفسها، وذلك خلافاً لما وعد به الآباء المؤسسون عندما وقّعوا ميثاقها . ففي الخطب التأسيسية للجامعة وعد هؤلاء بتطوير الجامعة، وبتحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقه من أماني التوحد والتعاضد في المستقبل . ولكن الجامعة انتهت إلى الابتعاد عن هذا النهج بحيث تكرس نهج ldquo;العروبة بالقطعةrdquo;، أي أصبح شائعاً بحث قضايا كل بلد عربي بمعزل عن قضايا البلدان العربية الأخرى . وطبع هذا النهج أكثر قرارات الجامعة وتوصياتها ومشاريعها، بحيث أصبحت تتمحور حول قضايا قطرية بحتة . وانكمشت القرارات المتعلقة بالعلاقات العربية العربية، وتراجعت من حيث العدد والمضمون، وكأن الدول العربية صارت في غنى عن تطوير علاقاتها البينية .

القمة الخماسية سارت في سياق آخر . هذا ما تقوله مداولاتها وقراراتها . فالتوصية بعقد قمتين سنوياً بدلاً من القمة الواحدة يعزز العلاقات بين دول المنطقة . وفي المناطق الأخرى من العالم، أصبح من المألوف أن يعقد زعماء التكتلات الإقليمية المتقدمة إلى جانب القمة السنوية العديد من مؤتمرات القمة الاستثنائية كل عام إذا ما طرأت مشكلة إقليمية مهمة تستدعي مثل هذا المؤتمر . كذلك فإن إعادة هيكلة مجلس السلم والأمن العربي باتجاه تحويله إلى ldquo;حكومةrdquo; للمنظومة الإقليمية العربية يعزز فاعليتها . هذا ما ينطبق أيضاً على التوصيات الأخرى التي اتخذتها القمة الخماسية سواء في مجال الأمن أو تطوير البرلمان العربي أو الإغاثة تخدم كلها عملية تطوير منظومة العمل العربي المشترك .

ولقد كان من الملفت للنظر أن تأتي هذه التوصيات في أعقاب انقسام المساهمين في القمة الخماسية إلى فريقين، كما جاء في البيان الختامي: فريق اقترح تحويل جامعة الدول العربية إلى اتحاد عربي، مع إدخال تعديلات ذات أفق اتحادي على هيكلية الجامعة ومهامها ونشاطاتها، وفريق آخر اقترح التدرج في تطوير العلاقات بين الدول العربية . ولعله من الطبيعي أن تثير هذه المناقشات والتوصيات التفاؤل بين المعنيين بمستقبل النظام الإقليمي العربي، لولا أن الخبرات والتجارب لا تشجع هؤلاء على الاسترسال في تفاؤلهم .

العبرة هي ليست في التوصيات والقرارات التي تتخذها مؤسسات العمل العربي الجماعي، سواء كانت المؤتمرات على مستوى القمم العربية، أو المؤتمرات الوزارية، أو المندوبين إلى جامعة الدول العربية، إنما العبرة هي في التنفيذ . فهنا نجد أن هذه المؤسسات تفتقر إلى الفعالية وإلى الصدقية، وأن سجلها من حيث تطبيق قراراتها لا يبعث على التفاؤل، بل بالعكس يثير الإحباط الواسع في المنطقة العربية، والكثير من السخرية مع الأسف خارجها . لقد وصفها أرنست هاس، وهو من أبرز علماء التكتلات الإقليمية في العالم، بأنها ldquo; . . . مجرد مؤتمر دائم بين الحكومات يعمل وفق قاعدة الحد الأدنى من التوافقrdquo; . وهذا حكم متشائم على فاعلية الجامعة ومؤسساتها، ولكنه ينطبق إلى حد بعيد على واقعها . لولا ذلك لما كانت القمة الخماسية، مثلاً، في حاجة إلى التوصية بإنشاء مجلس تنفيذي على مستوى رؤساء الحكومات للإشراف على تنفيذ مقررات القمم العربية، فهذا القرار صدر عن أول قمة عربية انعقدت عام ،1964 ولكن لم يعمل به إلا لفترة قصيرة .

إن مشكلة تنفيذ القرارات سوف تبقى علة العلل في العمل العربي الجماعي، سوف تواجه الذين يطمحون إلى تحويل المؤسسات العربية الإقليمية إلى صروح للتكتل والاندماج، كما تواجه الذين يؤثرون إبقاءها معابر للتعاون . فكيف يمكن التغلب على هذه العقبة؟ هذا ما لم تجب عنه القمة الخماسية، فعسى أن تأتي الإجابة في قمم مقبلة .