محمد الأشهب


هدأت الزوبعة التي أثارها النائب الإسلامي مصطفى الرميد، عبر التلويح بتقديم استقالته من مجلس النواب المغربي، لا بسبب تراجعه عن تنفيذ قراره، ولكن نتيجة ردود الفعل الناجمة عن ذلك التلويح. من جهة لأن قيادة laquo;العدالة والتنميةraquo; رفضت الاستقالة، ومن جهة ثانية لأن مجلس النواب والائتلاف الحكومي اعتبرا أن الأمر يمس بحرمة المؤسسة الاشتراعية.

لم يحدث أن لوح نائب أو كتلة بالاستقالة، من دون إثارة عاصفة من الانتقاد. فقد تدخل الملك الراحل الحسن الثاني يوماً بعد رفض نواب الاتحاد الاشتراكي تمديد إحدى الولايات الاشتراعية، وهددهم بنزع حمايته كأمير للمؤمنين، في سابقة ربطت بين الولاية الدينية والخلافات السياسية. لكن الأزمة انفرجت في ظل رسوخ الاعتقاد بأن المعارضة من داخل البرلمان أفضل منها خارجه.

اللافت في تلويح النائب الرميد بالاستقالة انه وضع حزبه في موقف حرج، فهو لا يستطيع تركه وحده، وفي الوقت ذاته لا يمكنه مجاراته في مغامرة غير محسوبة النتائج. أقلها أنه يخوض معارك حزبية على جهات عدة، ولا شيء يجبره على فتح جبهة جديدة، بيد ان تداعيات التلويح بالاستقالة باتت من أكثر من وجهة نظر تشكل سابقة في الممارسات السياسية، حتى وإن لم يسر مفعولها، فالمسألة لم تعد تطاول القرار، بل النيات، وهو ما يعتبر تحولاً في منهجية المعارضة.

ربما أن أهم تطور سياسي حدث في المغرب، يكمن في تشكيل حزب إسلامي يمارس دوره في إطار مشروع، وساعده في ذلك أن أحزاب المعارضة السابقة التي كانت تمثل القوى المؤثرة في توجيه الصراع انتقلت الى واجهة المسؤولية الحكومية. وبالقدر الذي شكل انتقالها منذ عام 1998 تطوراً بارزاً في معادلات الصراع، بالقدر الذي خلت ساحة المعارضة، وهيأت الأجواء لميلاد حزب إسلامي معارض، واستطاع المغرب في غضون ذلك أن يقدم نموذجاً للتعايش الممكن بين التيارات، على خلاف الاعتقاد الذي كان سائداً حيال استحالته.

أفلح حزب laquo;العدالة والتنميةraquo; الإسلامي في أن يخلع الرداء الديني ويصبح حزباً سياسياً. فقد كان في مقدم الفاعليات السياسية التي أقرت قانوناً جديداً للأحزاب، يحظر تأسيسها من منطلقات دينية أو عرقية أو قبلية. ليس يهم أنه قد يكون اضطر لذلك لاحتواء نزعات توالدت على خلفية الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء عام 2003، وذهب الى حد طلب الحزب الذي بات يجاهر أنه حزب سياسي بمرجعية دينية. ولكن الأهم أنه لا يزال يثير الكثير من الحساسيات، وأقر بها تصنيفه في خانة تناهض التعددية السياسية.

قبل بضعة أيام صرح الأمين العام للحزب الإسلامي عبدالإله بن كيران أن أربعة أحزاب في البلاد هي التي خرجت من رحم الشعب. ولم يكد يغالب الضجة الإعلامية والسياسية التي أثارتها تلك التصريحات حتى جاء تلويح النائب الرميد باستقالته ليضع مزيداً من الحواجز في طريق التطبيع المنشود. ففي أقرب التداعيات ان الاتحاد الاشتراكي بزعامة رئيس مجلس النواب عبدالواحد الراضي خرج عن صمته منتقداً تصرفات النائب الرميد. فيما انبرت أربعة أحزاب في الائتلاف الحكومي للرد على انتقاداته.

لعل أبرز ما يعنيه هذا التحول أن التحالف الذي نسجه laquo;العدالة والتنميةraquo; والاتحاد الاشتراكي بعد انتخابات بلديات السنة الماضية في طريقه للتلاشي، في حين أن حزب الاستقلال الذي تقوده الحكومة، انضم بدوره الى مناهضي laquo;العدالة والتنميةraquo;. في توقيت هذا التحول انه يسبق الاستحقاقات الانتخابية لعام 2012. وبالتالي فإنه يؤشر الى مسار التحالفات السياسية التي تكاد تلتقي عند عزل الحزب الإسلامي، بعد ان كان حقق اختراقاً في التعايش مع خصومه.

الى حدود عام 1998 لم يكن أحد يتصور أن الاتحاد الاشتراكي المعارض سيقود حكومة التناوب بزعامة السياسي عبدالرحمن اليوسفي. فقد بصم مروره بتحول جذري في تجربة الحزب الذي كان من أشد معارضي النظام. وقد يكون ما يحتاجه laquo;العدالة والتنميةraquo; قوة اقتراعية تعزز مكانته، وإن كان الراجح أن بعض المعارك الصغيرة لا تصنع أمجاداً كبيرة. وكل شيء يبقى رهن التقديرات التي لا تخطئ الحسابات.