خليل العناني


حقق حزب laquo;العدالة والتنميةraquo; التركي ما لم تحققه كافة حركات الإسلام السياسي العربي لدعم القضية الفلسطينية؛ فقد نجح الحزب بزعامة رجب طيب أردوغان في فضح الجريمة الإسرائيلية حول حصار غزة، وقدم تسعة شهداء أحيوا القضية وأعادوها إلى دائرة الاهتمام العالمي.
الفارق بين العدالة والتنمية وجماعة الإخوان المسلمين، كالفارق بين أردوغان ومحمد بديع المرشد العام للجماعة، فالأول يتحدث بلغة السياسة والمصالح، والثاني يتحدث بلغة رومانسية دينية عفا عليها الزمن. أردوغان لا يتحدث بلغة التحليل والتحريم، وبديع يرهق نفسه في البحث عن نص ديني أو فقهي لتبرير قراراته، الأول ينطلق من الواقع (Context)، والثاني يختبئ خلف النص (Text). أردوغان منفتح على الغرب، مدرك لتعقيدات العلاقة معه، والثاني يتحدث بلغة المؤامرة ومنغلق على ذاته. الأول ينظر للمستقبل، والثاني يعيش في جلباب الماضي. أردوغان يتحدث عن دولة مدنية ديمقراطية لكل أبنائها، وبديع يتحدث عن دولة إسلامية جامعة لا صلاحيات فيها للأقليات أو المرأة. الأول يرغب في إقامة دولة وطنية حديثة، والثاني يسعى لإحياء الخلافة الإسلامية.
أذكر قبل ثلاثة أعوام حين فاز حزب laquo;العدالة والتنميةraquo; بأغلبية البرلمان التركي وكان يستعد لتشكيل الحكومة التركية الجديدة، أن سئُل رئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان الدكتور محمد مرسي عن رأيه في حزب العدالة وما إذا كانت جماعة الإخوان باستطاعتها تبني نفس الخط السياسي والفكري للحزب، فكانت إجابته: نحن لا نعتبر حزب العدالة والتنمية حزباً إسلامياً وإنما هو حزب علماني لا يختلف كثيراً عن بقية الأحزاب العلمانية في تركيا (موقع إخوان أونلاين).
الآن يجب أن يتوارى الإخوان خجلاً بسبب تهكمهم على أردوغان ورفاقه، وذلك بعد أن نجحوا في إحياء القضية الفلسطينية بعد أن كادت تموت تحت وطأة المفاوضات العبثية والانقسام الفلسطيني الداخلي، كما نجحوا ببراعة في استدرار عطف العالم تجاه المحاصرين في غزة، وفضح وحشية إسرائيل عالمياً ووضعها في مأزق ربما لم تشهد له مثيلاً منذ قيامها قبل ستة عقود.
التزام أردوغان بدعم الفلسطينيين هو التزام أخلاقي وإنساني قبل أن يكون التزاما سياسيا ودينيا، وهو بذلك نجح في تحويل حصار غزة من قضية سياسية وأمنية إلى قضية إنسانية عالمية، تماماً مثلما فعل الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا ومن قبله المهاتما غاندي. وهذا هو سر القوة التي يتكئ عليها أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو الذي تحدث في مجلس الأمن عشية الاعتداء على قافلة laquo;الحريةraquo; بلغة سياسية عبقرية يفهمها الغرب ويدرك مغزاها.
أردوغان يقف الآن في الصف الأول بين زعماء العالم، وقد رأيناه قبل أيام في قمة مجموعة العشرين المنعقدة في laquo;تورنتوraquo; بكندا، يتحدث بلغتهم ويفكر بطريقتهم، وهو لا يخجل من أن يعلن بجرأة انتماءه الحضاري للإسلام واعتزازه بهويته التركية، وهذا هو مكمن العبقرية. ولنتذكر ما فعله قبل شهور حين انتفض لمساندة مسلمي الصين الذين كادوا أن يتعرضوا لإبادة وحشية على أيدي طائفة الهان الصينية، وكان الزعيم الإسلامي الوحيد الذي طالب بتدخل مجلس الأمن لحماية laquo;الإيغورraquo; المسلمين في الصين.
لا نريد استنساخاً للعدالة والتنمية في العالم العربي، وإنما نريد أن نلمس تحولاً حقيقياً في أفكار وبرامج الأحزاب الإسلامية العربية، حتى يصبح دعمها للقضية الفلسطينية بالفعل الواعي لا بالنوايا الطيبة فحسب، ولعل أول خطوة في سبيل ذلك هي أن تتصالح الحركات الإسلامية العربية مع ذاتها ومع شعوبها، وأن تعيد صياغة منطلقاتها الفكرية والدينية على أساس المصلحة الوطنية، مثلما فعل شباب حزب laquo;العدالة والتنميةraquo; قبل عشر سنوات. صحيح أن ثمة التزامات وضغوطا سياسية يتعرض لها الإسلاميون في العالم العربي، ولكن تظل المشكلة في عدم جرأة هؤلاء على إحداث تحولات حقيقية في لغتهم وأفكارهم خوفاً من انفضاض الناس من حولهم، وتلك هي المأساة.